في عالم يموج بالتكرار والضوضاء، تظل “البصمة” هي الشيء الوحيد الذي لا يُقلَّد. إنها الأثر الذي تتركه في حياة الناس، وفي مجتمعك، وفي وطنك، بل وفي التاريخ إن شئت. ولكن السؤال الأهم: ما نوع البصمة التي تتركها؟
إننا اليوم نعيش وسط طوفان من الأصوات والصور والمواقف المتشابهة، ومع هذا نجد أن بعض الأشخاص يمرّون دون أن يُذكَروا، بينما آخرون يتركون في النفوس أثرًا لا يُنسى. هذه البصمة لا تُشترى ولا تُفرض، بل تُصنع بفكرٍ نقي، وعملٍ صادق، وأخلاقٍ رفيعة.
من منظور اجتماعي، البصمة ليست مرتبطة بالشهرة، ولا تتعلق بعدد المتابعين أو المشاركات، بل تُقاس بما تقدمه من نفع للناس، وما تحققه من أثر طيب في محيطك. فالمعلم يترك بصمته في طلابه، والطبيب في مرضاه، والأب في أبنائه، والموظف في مؤسسته، كلٌ له ساحة يمكنه أن يزرع فيها أثرًا لا يُمحى.
أما من الناحية القانونية، فإن بصمتك لا تقتصر على الأثر المعنوي، بل تمتد لتشمل مسؤوليتك أمام القانون والمجتمع. فكل كلمة تكتبها، وكل صورة تنشرها، وكل قرار تتخذه، يترك أثرًا قانونيًا يُحسب عليك أو لك. فمن يختار أن يُشارك في بث خطاب الكراهية، أو التحريض، أو نشر الأخبار الكاذبة، يترك بصمة سوداء قد تلاحقه جنائيًا، وتُضعف نسيج المجتمع. بينما من يلتزم بالقانون، ويستخدم وسائل التواصل والظهور العام من أجل التوعية أو البناء، يترك بصمة يُحتذى بها.
نحن بحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم البصمة في حياتنا. فأن تترك بصمة لا يعني أن تثير الجدل أو تلهث خلف الأضواء، بل أن تصنع فرقًا، مهما كان بسيطًا. أن تُسهم في تغيير إيجابي، أن تُذكر بخير، أن تُحسن إلى الناس، أن تزرع القيم حيث يُنزع منها الأمل.
وطننا اليوم لا يحتاج مزيدًا من العابرين، بل من الصانعين، لا مزيدًا من المتفرجين، بل من المبادرين. يحتاج من يُتقن عمله، ويخاف على مجتمعه، ويغرس أثرًا باقٍ لا تزول قيمته بزوال الزمان.
فلنجعل من كل موقف فرصة، ومن كل عمل رسالة، ومن كل يوم فرصة لنترك فيه بصمة… بصمة خير، بصمة وعي، بصمة بناء.