القاهرة عاصمة السلام : مصر تجمع قادة العالم لتوقيع اتفاق غزة التاريخي”
بقلم:احمد شتيه باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى

”
في مشهد استثنائي يعيد إلى الأذهان لحظات تاريخية خالدة، استضافت العاصمة المصرية القاهرة مؤتمر السلام الدولي الخاص بالتوقيع على اتفاقية وقف دائم لإطلاق النار في غزة، بمشاركة الرئيس الأمريكي وعدد من القادة الأوروبيين، في مقدمتهم الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني ورئيس الوزراء الإيطالي. حضور هؤلاء القادة لم يكن مجرد بروتوكول، بل دلالة واضحة على الدور الجوهري الذي باتت تلعبه مصر إقليميًا ودوليًا كوسيط لا غنى عنه في ملفات الصراع والسلام.
اختيار القاهرة لعقد مؤتمر السلام لم يكن مصادفة. فكما كانت منصة لتوقيع أول اتفاقية سلام عربية-إسرائيلية عام 1979، ها هي اليوم تعود لتؤكد أنها لا تزال قلب العالم العربي النابض والدولة الوحيدة القادرة على الجمع بين الأطراف المتنازعة في لحظة مفصلية.
الدلالة هنا تتجاوز الجغرافيا؛ إنها رسالة بأن مصر – بما تملكه من ثقل سياسي وتاريخي – لا تزال تحتفظ بموقعها الطبيعي كراعية للسلام في المنطقة، وصاحبة الكلمة المسموعة لدى جميع الأطراف.
وجود الرئيس الأمريكي في القاهرة إلى جانب كبار القادة الأوروبيين عكس أمرين: الأول هو حجم الاهتمام الدولي بإنهاء النزاع في غزة، والثاني – وهو الأهم هو الثقة المتجددة في مصر كطرف محوري قادر على تحقيق اختراق سياسي حقيقي، بعد شهور من الجمود والمآسي الإنسانية.
لقد جاء هؤلاء القادة إلى القاهرة ليس فقط لتأكيد دعمهم للاتفاق، بل للاعتراف بالدور الذي لعبته مصر خلف الكواليس، بصبرها المعروف، واتصالاتها المكثفة مع كل من الطرف الفلسطيني والإسرائيلي، وأيضًا مع القوى الإقليمية والدولية.
لم يكن التوصل إلى اتفاق غزة صدفة أو وليد ضغوط دولية فحسب، بل نتيجة جهود دبلوماسية مصرية امتدت لأشهر، شملت جولات مكوكية لمدير المخابرات العامة، وتحركات سياسية قادها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فضلاً عن التنسيق المستمر مع الأمم المتحدة وواشنطن.
القاهرة استثمرت رصيدها التاريخي، وعلاقاتها المتوازنة، وخبرتها الطويلة في الوساطة، لتنجح في ما فشل فيه كثيرون: وقف نزيف الدم، وضمان التزام الأطراف ببنود الاتفاق، وفتح أفق جديد لإعادة إعمار غزة، مع وعود دولية بتمويل ودعم سياسي.
وأرى ان مصر تعود إلى قيادة المشهد الشرق أوسطي وما جرى في القاهرة ليس مجرد توقيع على ورقة اتفاق، بل لحظة فارقة في إعادة تشكيل المشهد الإقليمي.
مصر، التي غابت لبعض الوقت عن صدارة الفعل السياسي في المنطقة، تعود اليوم بقوة لتقود دفة السلام، مدعومة برؤية واقعية، ودبلوماسية صبورة، ومكانة لا ينازعها فيها أحد.
في الوقت الذي تتراجع فيه أدوار قوى إقليمية كانت فاعلة في السنوات الماضية، تثبت مصر أن الاتزان والعقلانية هما الطريق الوحيد لتحقيق نتائج مستدامة، سواء في غزة، أو في ملفات أخرى تنتظر الوساطة المصرية مثل لبنان، السودان، وليبيا.
توقيع اتفاق غزة في القاهرة لم يكن مجرد خطوة رمزية، بل انتصار للدبلوماسية المصرية التي حافظت على ثوابتها: دعم الشعب الفلسطيني، السعي للسلام العادل، ورفض الحلول المفروضة.
وفي زمن الاستقطاب الحاد، تبقى مصر – كما عهدناها – بوابة الحلول، وركيزة الاستقرار، وعاصمة .



