
غزّةُ.. وأوجاعُ الخبزِ
جاعَ الندى في كفِّ أمٍّ حائرةْ
تَنسى احتراقَ اللحمِ كي لا تُجْهِرَهْ
تَرنو إلى صدرِ الطفولةِ هامسًا
“لا تجزَعوا.. فالليلُ هذا أَقهَرَهْ”
تحتَ الردى، حبلُ الحياةِ مشدَّدٌ
والجوعُ نَصّبَ نفسَهُ مستعمَرَهْ
صارتْ يدُ الخبّازِ حلمًا عابرًا
وغدا الدقيقُ كأنّهُ مَنْ يُجْترَهْ
تَبكي الزنودُ الهامداتُ على فتىً
ما ذاقَ طَعمَ الخبزِ مذْ أن صغَّرَهْ
في كلِّ كوخٍ تنهضُ الأمُّ التي
تُخفي النداءَ، وتكتفي أن تُكْثِرَهْ
تَشدو لتشبعَ طفْلَها باللّحنِ، لا
بالرُّغفَةِ الممنوعةِ المُتَسَتِّرَهْ
غزَّةْ… وشمسُ اللهِ فيكَ مجاعةٌ
لكنْ بها “معنى الحياةِ” مُؤزَّرَهْ
يا أيُّها الجوعُ العتيقُ، تَوقَّفِ
فالحبُّ في غزةَ أقوى مِعْذَرَهْ
في كلِّ جفنٍ نائمٍ قُنبلةٌ
وفي العروقِ قُدودُ نارٍ مُسْعِرَهْ
تجري الحياةُ على الفُتاتِ وتبتني
من طينِها جُبلاً يهابُ مُخَفِّرَهْ
يمشي الجياعُ، وكلُّهم وطنٌ لهُ
قلبٌ، وجرحٌ، والصلاةُ المُكْثَرَهْ
غزةُ، وإنْ جاعَ الحنينُ بخبزِها
فالنورُ فيكِ سيورقُ المُسْتَكْبِرَهْ
وسيرتدي الفجرُ الكرامةَ رايةً
ويُعيدُ للقمحِ الحياةَ المُزْهِرَهْ
يا أيّها النائمُ على فُتْنَةِ الدُّمى
وغَزّةُ تَصْرخُ: ما جَرى؟! ما أخبَرَهْ؟!
أَطفالُها عَرْيى، وأنتَ مَخدَّرٌ
بالترفِ، والأوطانُ باتتْ مُقْبِرَهْ
هل تشبعُ الأشلاءُ من أخبارِكم؟
أم هل يُداوي الجوعَ “هاشتاقُ” المَرَهْ؟!
قُمْ يا عَريبَ الصوتِ! إنكَ لو تَرى
عَيْنَ الطفولةِ كيفَ ذابتْ مُنْذِرَهْ
لبكيتَ خُبزًا… لا لتأكُلَ إنّما
لتمدَّ في الكفّاتِ أَلفَ مُسَخَّرَهْ!
غزةُ تُنادي والضمائرُ خُرّستْ
ما عادَ فيكمْ مَنْ يُجيبُ السّائِرَهْ!
فانهضْ، ولو بالحبِّ، بالدمعِ الذي
يشفي الجياعَ.. إذا تَرَامتْ مِسْكَرَهْ
في الكوخِ… كانت أمُّنا مترنّحة
تَشوي الدموعَ على الجراحِ المنفرهْ
قالت لولدِها الصغيرِ: تحمَّلِ
فالحبُّ حينَ يَجوعُ… يُضحي أسطرهْ!
وغدًا سيولدُ من جفافِ رغيفِنا
نبْتُ الصباحِ.. وسنبلٌ لم يُكسَرهْ
يا كلَّ حرٍّ في العوالمِ: إنْ تكنْ
إنسانَ روحٍ، فاجعلِ القلبَ نَذْرَهْ
غزةُ تُفارقُ.. والسكوتُ جريمةٌ
تَصحو لتَشربَ موتَنا في مِبْخَرَهْ
فاكسرْ جدارَ العارِ بالصوتِ الذي
يَشفي الطفولةَ من جُروحٍ مَكْسَرَهْ!
بقلم / احمد عزيز الدين احمد
؛؛؛؛؛ شاعر الجنوب