
كتبت منى توفيق
سجّلت الوكالة الاتحادية لمكافحة التمييز في ألمانيا خلال عام 2024 رقماً قياسياً في عدد البلاغات، حيث تلقّت أكثر من 11 ألف اتصال من مواطنين ومقيمين اشتكوا من تعرّضهم لممارسات تمييز مختلفة، أبرزها العنصرية والتمييز ضد النساء.
من بين الحالات التي وثّقتها الوكالة، يبرز الشاب محمود، الذي يعيش في ألمانيا منذ سنوات، لكنه يجد صعوبة في الحصول على سكن، إذ لا يتلقى حتى ردوداً على طلباته، بينما يحصل صديقه الألماني على دعوات لمعاينة شقق يُفترض أنها “محجوزة”. وفي حالة أخرى، اشتكت متدربة في شركة لوجستية من تحرش متكرر من أحد الموظفين، بينما وُجهت للزوجين المثليين اتهامات من موظف رسمي بـ”علاقة مرضية غير طبيعية”.
فردا أتامان، المفوضة المستقلة لمناهضة التمييز في ألمانيا، صرّحت أن “التمييز مشكلة متفاقمة”، مضيفة أن هناك تحدياً كبيراً في التعامل مع العنصرية والتمييز الجنسي، إلى جانب عدم تمكين ذوي الإعاقة بشكل عادل في المجتمع. وأشارت إلى أن تزايد عدد الشكاوى يعكس ارتفاع الوعي المجتمعي بحقوق الأفراد، موضحة أن أكثر من 3800 شخص تواصلوا العام الماضي للإبلاغ عن تعرّضهم للعنصرية، أي ما يقرب من نصف جميع البلاغات.
تشير البيانات إلى أن النساء، لا سيما ذوات البشرة الداكنة أو المحجبات، يواجهن مستويات مرتفعة من التمييز، سواء في الأماكن العامة أو في سوق العمل. ففي الشوارع، تتعرض بعضهن للبصق أو تمزيق الحجاب، وفي المستشفيات، ترفض بعض الحالات تلقي العلاج من طبيبات يرتدين الحجاب.
في عام 2024 وحده، تم تقديم أكثر من 2100 شكوى تتعلق بالتمييز على أساس الجنس، وهو ما يمثل ضعف العدد المُسجّل قبل خمس سنوات. وتتمثل أغلب الشكاوى في التحرش اللفظي أو الجسدي في بيئة العمل، بالإضافة إلى التهميش الوظيفي للنساء الحوامل أو العائدات من إجازة أمومة.
رغم التقدم الكبير الذي حققته ألمانيا في مجال المساواة، فإن النساء ما زلن يتقاضين أجوراً أقل بنسبة تصل إلى 16% مقارنة بالرجال، حتى عند أداء المهام نفسها. هذا ما حدث مع أستريد سيمز كنوبليش، عمدة سابقة، التي رفعت دعوى قضائية بعدما اكتشفت أنها كانت تتقاضى راتبًا أقل من زملائها في المنصب نفسه، وقد كسبت القضية لاحقًا. وقالت في تصريح صحفي: “لم أفعل ذلك من أجلي فقط، بل من أجل كل النساء اللاتي يعانين من نفس التمييز… الحديث عن الأجور بين النساء يجب ألا يكون من المحظورات”.
رغم مرور حوالي 20 عاماً على صدور قانون المساواة في المعاملة في ألمانيا عام 2006، إلا أن المفوضة فردا أتامان ترى أنه أصبح قديماً ولا يغطي حالات التمييز التي تمارسها مؤسسات الدولة مثل الشرطة أو المدارس أو الهيئات القضائية. وأكدت أن “التمييز لا يؤثر فقط على الأفراد، بل يُهدد استقرار النظام الديمقراطي ويُضعف الاقتصاد”، داعية الحكومة الألمانية إلى مراجعة شاملة للقانون وتوسيع نطاق حمايته لتشمل جميع أشكال التمييز بلا استثناء.