
كتبها لكم /سيف محمد كامل
الفصل الثالث: خلف الأبواب المغلقة
لم يكن المحقق رائد قد استوعب تمامًا حجم المأساة التي كان يقف أمامها كان العالم الذي اعتاد العيش فيه، عالم الجرائم الروتينية التي حلها بسرعة وبراعة، قد تحول إلى كابوس من الشكوك والألغاز، جريمة تلو أخرى، ورسائل غامضة يتركها القاتل على مسرح الجريمة،
تجعل الأمر يتخذ منحىً أكثر تعقيدًا كل جريمة كانت بمثابة قطعة في لغز أكبر، وكان رائد في وسط هذا اللغز الذي لا ينتهي.
كريم كان في غرفة التحقيق الصغيرة التي كانت تُستخدم عادة لإجراء مقابلات مع الشهود، لكن الآن كانت مليئة بالأدلة والصور والملاحظات التي جمعوها عن القاتل، على الطاولة أمامهم كانت توجد عدة ملفات مليئة بالتفاصيل عن الضحايا، الجميع كان يظن أن القاتل قد أخذ وقتًا طويلاً ليصل إلى هذا المستوى من التلاعب، لكنه فعل ذلك قد يكون القاتل عبقريًا، أو ربما كان في حاجة للبحث عن شيء أعمق في نفسه، شيء كان يعتقد أنه سيجد إجابات عليه عبر القتل.
“أعتقد أننا في حاجة لفهم القاتل بشكل أعمق، رائد هذه ليست مجرد جريمة، هذه حرب عقلية،” قال كريم، وهو يحدق في مجموعة الصور والملاحظات التي أمامه.
رائد كان يتأمل الصورة الأخيرة كانت صورة الضحية الثانية عشرة، نادية فهمي، سيدة في الأربعينات كانت تعمل كمديرة بنك، وكانت تعيش حياة مستقرة ومريحة، لكن رغم ذلك، تم اختيارها من قِبل القاتل كانت قد تركت وراءها دفتر ملاحظات مليئًا بالاقتباسات الأدبية، لكن الغريب كان أنها لم تترك فقط رسالة من كتب الأدب الكلاسيكي، بل كانت تكتب ملاحظات عن حياتها أيضًا، وكأنها كانت تعلم أن النهاية قد اقتربت.
“نادية، مثل الضحايا الآخرين، لم يكن لها علاقة ظاهرة مع القاتل هل يمكن أن يكون القاتل قد تتبع حياتها؟” سأل رائد وهو يمرر يده عبر الملاحظات.
“ربما… لكن لدينا إشارات تدل على أنه كان يراقبهم، يراقب جميع ضحاياه من بعيد، هناك شيء غريب، رائد هؤلاء الضحايا جميعهم ينتمون إلى فئات اجتماعية متشابهة كلهم ناجحون، كلهم في مواقع السلطة، وكلهم يتعاملون مع المال والنفوذ بطريقة ما،” قال كريم، وهو يضع يده على الملف بشكل قاطع “هل تعتقد أن القاتل يشعر بالغيرة من حياتهم؟”
“لا أعتقد ذلك، كريم القاتل لا يبدو أنه مدفوع بالغيرة بل يبدو وكأنه يحاول أن يوجه رسالة” قال رائد وهو يبتعد عن الطاولة… “لكن الرسالة لا تزال غير واضحة!!! لماذا يقتبس من الأدب؟
وما هي العلاقة بين العدالة والألم في ذهنه؟”
بينما كان رائد يتأمل في هذه الأفكار، دق جرس الهاتف في المكتب.
“نعم؟” أجاب رائد، وقد غلب عليه شعور متزايد من التوتر.
“المحقق رائد، لدينا تطور جديد في القضية فريقنا في مكان الجريمة الأخيرة، وهناك شيء غريب الضحية هذه المرة، كان على الطاولة بالقرب منها نسخة قديمة من رواية الجريمة والعقاب الشيء المثير هو أن هناك ملاحظات مكتوبة على الهوامش، ولاحظنا أنه من الواضح أنها ليست للضحية، بل للقاتل يبدو أنه يوجه رسالة لنا مباشرة.”
شعر رائد بشيء غريب يتسلل إلى قلبه “أرسل لي كل التفاصيل الآن نحن في الطريق.”
الجريمة الجديدة: نسخة الجريمة والعقاب
عندما وصل رائد وكريم إلى مكان الجريمة في حي الزمالك الراقي، كان المشهد مألوفًا، لكن هذه المرة كانت هناك عناصر غريبة تم تأمين المكان من قبل قوات الأمن، وكان المحققون يلتقطون صورًا ويجمعون الأدلة كانت الجثة لامرأة في الثلاثينات من عمرها، لكن ما لفت الانتباه هو تلك النسخة القديمة من رواية الجريمة والعقاب التي وُجدت على الطاولة بجانب الجثة.
تقدم رائد نحو الطاولة، حيث كانت النسخة قديمة جداً، والصفحات صفراء ومحنية على هوامش بعض الصفحات، كانت هناك ملاحظات مكتوبة بخط يد رديء، ربما تعود للقاتل ألقى رائد نظرة سريعة على الرسائل، التي كانت تشبه حوارًا مع الذات.
“القتلة دائمًا ما يظنون أنهم يفعلون الخير… ولكن عندما يقتلون، يظنون أنهم ينقلبون على النظام ليحققوا العدالة، كما لو كانت الحياة مجرد لعبة…” قرأ رائد بصوت منخفض، وهو يحاول أن يفهم مغزى هذه الرسالة.
“يبدو أنه يعيد نفس اللعبة، يستعرض فكرة العدالة مرة أخرى، وكأن القتل هو الوسيلة لتحقيقها إنه يتلاعب بمفاهيم فلسفية ويستخدم الأدب كأداة للتعبير عن نفسه” قال كريم، وهو ينظر إلى الرسالة المكتوبة.
رائد كان يعرف أن القاتل قد بدأ يعتقد أنه في تحدي مع السلطة، مع النظام. ربما كان يرى نفسه كـ “بطل”، يغير العالم على طريقته، يحطم الفكرة التقليدية للعدالة، ليخلق عدالة خاصة به.
“لابد من وجود شيء في هذا الأدب شيء آخر يجب أن نكشفه.”
قال رائد بصوت منخفض، وهو يفكر في المفاتيح التي قد يخبئها القاتل وراء هذه الرسائل.
التحقيق يتعقد
مع مرور الأيام، أصبح التحقيق أكثر تعقيدًا. كانت الشرطة قد بدأ تراقب الأماكن التي يرتادها الأدباء، والكتب التي يتم تداولها في مكتبات القاهرة، وكل أثر يمكن أن يؤدي إلى كشف دوافع القاتل لكن رائد كان يشعر أنه كلما اقتربوا من الحقيقة، ابتعدوا عنها أكثر.
الإعلام بدأ يثير الجدل حول القاتل بدأ بعض المحللين في وسائل الإعلام يشيرون إلى أن القاتل يتبع خطة أدبية متقنة، يقتبس من الروايات الشهيرة ليخلق توازناً مع أفكار فلسفية حول الحياة والموت كانت الأخبار تنشر يوميًا عن الضحايا الجدد، والعالم الخارجي بدأ يتفاعل مع هذا الوحش الذي يقتل باسمه الأدب، بدأ الرأي العام في التشكيك بالحكومة، مستنكرين تأخر الحل وازدياد عدد الضحايا.
“إلى متى سنبقى هنا؟ إلى متى سنظل مجرد مشاهدين؟” كتب أحد الصحفيين في مقال له “القتلة يقتلون في وضح النهار، والقضاء لا يحرك ساكنًا.”
لكن رائد كان يعي أنه لا يمكنه السماح لهذه الأصوات أن تتسلل إلى عقله القاتل كان في مكان بعيد عن هذه الحوارات السطحية كان في عالمه الخاص، عالم الأدب والعدالة الغريبة، وهذا هو ما كان يشغله بشكل أكبر.
“لا يمكننا الوقوع في هذا الفخ، كريم” قال رائد بصرامة وهو ينظر إلى كريم “الرأي العام سيتعامل مع هذه الجريمة كحالة نفسية، ولكن الحقيقة هي أن القاتل يتبع نمطًا فلسفيًا نحن بحاجة إلى أن نفكر مثل هذا الشخص، لكي نتوقع تحركاته القادمة.”
أخذ كريم نفسًا عميقًا، وأومأ برأسه موافقًا كان يدرك تمامًا أن هذا التحقيق قد لا ينتهي إلا بكشف الفلسفة العميقة التي تحرك القاتل.
لحظة الحقيقة
في ليلة ذات طابع مشؤوم، بينما كانت السماء تمطر بغزارة، تلقت الشرطة مكالمة جديدة جريمة جديدة كانت قد وقعت، وهذه المرة كانت الرسالة واضحة جدًا كان القاتل قد قرر أخيرًا توجيه ضربته الكبرى.
كانت الجريمة في أحد المنازل الخاصة التي تم تزيينها بشكل مذهل الجثة كانت إيهاب شاهين، كاتب معروف، وشخصية اجتماعية مهمة في المجتمع الأدبي وجدوه مقتولًا على مكتبه، وفي يد الجثة نسخة أخرى من رواية الجريمة والعقاب مع عدة ملاحظات.
“كل شيء بات واضحًا الآن، رائد” قال كريم وهو يتطلع إلى الملاحظات “القاتل يقتل الناس الذين يمثلون السلطة الأدبية هؤلاء الذين لديهم القدرة على التأثير في آراء الناس يبدو أنه يريد أن يعلن عن نفسه كـ الكاتب الحقيقي.”
“نعم… ولقد اختار إيهاب لسبب واحد فقط” قال رائد، وهو ينظر إلى الجثة الممدة على الأرض “إيهاب كان قد نشر مؤخرًا دراسة عن فلسفة الجريمة والعقاب كان يناقش فيها فكرة أن القتل يمكن أن يكون أداة لتحقيق العدالة في عالم غير عادل.”
القاتل كان هناك، دائمًا في الظلال، يقاتل من أجل رسالة يعتقد أنها ستغير التاريخ.
“الآن، أصبح لدينا كل الإجابات، ولكن أين؟
يتبع ….