صحف وتقارير

اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية تحت المجهر

جريدة الصوت

بقلم: احمد شتيه 

باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى 

في خطوة تعكس تغيراً نوعياً في المزاج الأوروبي تجاه سياسات إسرائيل، دعت الحكومة الهولندية مؤخراً إلى إجراء مراجعة شاملة لاتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية الموقعة عام 1995، والتي تمثل الإطار القانوني الأوسع للعلاقات الاقتصادية والسياسية بين تل أبيب والاتحاد الأوروبي.

 هذه الدعوة، وإن بدت تقنية في ظاهرها، تحمل في طياتها رسائل سياسية عميقة ومؤشرات على تحول محتمل في النهج الأوروبي التقليدي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

اتفاقية الشراكة التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2000، تمنح إسرائيل امتيازات تجارية واستثمارية ضخمة في السوق الأوروبية، وتقوم على أسس مشتركة من أبرزها “الاحترام المتبادل لحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية”. إلا أن هذه المبادئ التي كان يُفترض أن تكون شرطاً حاسماً باتت محل جدل واسع ، في ظل تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتجميد عملية السلام منذ سنوات ومنع ادخال المساعدات وهجمات المستوطنين على القرى الفلسطينية وغيرها من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للشعب الفلسطيني

تأتي الدعوة الهولندية والتى ايدتها بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا واسبانيا وايرلندا والبرتغال والسويد في وقت تتزايد فيه الانتقادات الأوروبية للسياسات الإسرائيلية، لا سيما بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وتصاعد الاستيطان في الضفة الغربية، وما وصفه بعض المسؤولين الأوروبيين بأنه “انحراف واضح عن التزامات إسرائيل الدولية”.

من جهتها، ترى لاهاي أن استمرار العلاقات التفضيلية مع إسرائيل دون مراجعة، يضع الاتحاد الأوروبي في موقع متناقض مع القيم التي يروج لها عالمياً. كما أن ثمة ضغطاً برلمانياً وشعبياً متزايداً داخل أوروبا لإعادة النظر في دعم إسرائيل غير المشروط، خاصة في ظل غياب أي تقدم ملموس نحو حل الدولتين ،مما جعل المقترح على جدول اعمال وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي فى ٢٠ مايو القادم .

إذا ما مضت أوروبا في اتجاه المراجعة، فإن إسرائيل قد تواجه تداعيات اقتصادية ودبلوماسية غير مسبوقة ، فالاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول لها، وأي قيود أو مراجعات للاتفاق قد تعني تراجع الامتيازات الجمركية، وتشديد شروط التعاون التكنولوجي والعلمي.

سياسياً، تمثل هذه الدعوة ضربة رمزية لمكانة إسرائيل الدولية، وتكشف عن فتور في العلاقة مع أحد أكثر الداعمين التقليديين لها، ما قد يدفع حكومة اليمين في تل أبيب إلى إعادة النظر في استراتيجيتها تجاه أوروبا.

ربما الأهم من كل ذلك، أن تحركاً أوروبياً بهذا الحجم قد يُعيد الزخم إلى القضية الفلسطينية، ويمنح الأطراف الداعية إلى حل عادل ودائم دعماً جديداً في الساحة الدولية.

 كما أنه يشير إلى إمكانية استخدام أدوات دبلوماسية واقتصادية للضغط على إسرائيل لاحترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

دعوة هولندا ليست مجرد إجراء بروتوكولي، بل هي مؤشر على تغيرات جوهرية في ميزان التعاطف الأوروبي ، وإذا ما تحولت هذه الدعوة إلى موقف أوروبي موحد، فقد نكون أمام مرحلة جديدة من المساءلة الدولية لإسرائيل، وعودة اهتمام جدي بإعادة إحياء عملية السلام على أسس أكثر عدلاً وشفافية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock