
بقلم /محمد جمعة سلامة
قد يتساءل الكثيرون عن رجُلٍ في أواخر الخمسين يهرب من تلك المرحلة من عمره
بأن يصبح ميّالاً للتحدُّث والتعارف مع الصغيرات بشكل مبالغ فيه فى المراسم
والمحافل وحتى فى أماكن العمل المختلفة
متجنباً أي حوار قد يجمعه مع رجل من نفس جنسه أو سنّه أو حتى شابّ صغير
وإن حدث ذلك سيكون بغير اقتناع محاولاً قدر المستطاع تلخيص الحوار
في كلماتٍ قليلة وبصوت حادّ وأسلوب يبدو فيه علامات عدم الارتياح.
كما أنّ شكله المعتاد يتغيّر فجأة فيقوم بصباغة شعره الأبيض منذ زمن باللون الأسود ” وهو اللون المحرّم “
وأن يرتدي ملابس شبابيّة لا تتناسب مع المرحلة العمرية التي يعيشها .
ناهيك عن الجلوس لفترات كبيرة أمام المرآة ينظر فيها
جيدا إلى تفاصيل وجهه ويحاول إخفاء أي تجاعيد تبدو واضحة وقد يصل به الأمر إلى استخدام مساحيق التجميل الخاصّة بالنساء
بعد الانتهاء من تصليح الوجه يقوم بالنظر إلى ملابسه المستفزّة بعناية شديدة ثمّ يقوم بفحص شعره بدقّة متناهية خوفا من ظهور أي جزء أبيض
أمام من يعتقد أنّهنّ معجبات بتلك الوسامة والإطلالة التي لا مثيل لها.
وغير ذلك الكثير من المظاهر التي تبدو مخالفة للطبيعة البشرية في ذلك السن
وفي تلك المرحلة والتى تدعوك للتساؤل ” هل ذلك الرجل وتلك الأفعال طبيعية أم لا ؟”
ويجيب عن ذلك أساتذة علم النّفس والذين أطلقوا المسميات على تلك المرحلة فقالوا عن تلك الأعراض أنها ” مراهقة الكبار ” أو “أزمة منتصف العمر” إذ أنّ أصحاب تلك المرحلة حينما يرون أولادهم قد كبروا أو تزوجوا واعتمدوا على أنفسهم يشعرون بأن مكانتهم وأهميتهم قد تراجعت وأنهم غير مرغوب فيهم حتى من زوجاتهم اللائي مايذكّرونهم دائما بشيخوختهم .
فيحاولون إرضاء أنفسهم بالحديث الدائم ومحاولة الاختلاط بأي شكل مع الصغيرات اللاتي يشعرنهم بعودة شبابهم
وذلك ماترفضه الكثير منهنّ وقد تقبل به القليل بسبب الخجل الاجتماعي كأن يكون المتصابي أحد أقربائهنَّ أو رئيسهنّ فى العمل الذى يخترع أي شئ غير مفيد ليناقشه مع المرؤسات فى العمل فيفضّل السلام عليهنّ بالأيدي ” حرام شرعا ” ولا يكتفي بالسلام اللفظي ثم يبدأ فى سرد بطولاته الزائفة ومغامراته التي لاأساس لها من الصحّة بصوت يفتقد الحدّة والخشونة التي يستخدمها مع زملائهنّ من الرّجال .
ويظلّ يعيد على أذهانهنّ البطولات نفسها ، ويسرد نفس المغامرات ورحلات الكفاح نفسها وبنفس طريقته القذرة والمتكرّرة بشكل شبه يومي أو أسبوعي ظنّاً منه أنّه قد حرّك المشاعر وأثار الإعجاب.
وهناك فريق آخر يرجع تلك الظاهرة إلى الحرمان الذي
كان يعاني منه المتشببون أو المتصببون في صغرهم وفى مرحلة شبابهم أو أنّهم لم يعيشوا مظاهر تلك المرحلتين بسبب ضيق أحوالهم المادّية فيحاولون بعد أن تحسّنت حياتهم أن يعوّضوا مافاتهم أو ما فقدوه من تلك المراحل بأن يعيشوا حياة مخالفة لحياتهم ومرحلة عمرية أصغر من عمرهم فلا يكفُّون عن مطاردة الفتيات ممن هنّ في سن أولادهم وملاحقتهنّ في كل مكان حتى على صفحات التواصل الاجتماعي.
وفي كلتا الحالتين أجيبك بصدق إن أردت الإجابة عن السؤال السابق أنّ ذلك الشخص غير طبيعيّ إذ أنّ الطبيعة والمنطق والمناسب للعقد الخامس من العمر و حتى الرابع ومن وجهة نظري فى أي مرحلة عمرية هو الحكمة والحياء في كلّ ما يتعلّق بسلوكيات الرجل .
فالرجل في أواخر الخمسين لابدّ أن يتمتع بالهدوء في حديثه والوقار في ملابسه وفي شكله الذي يحرص على إظهاره كما هو دون أي تغيير بل ويفخر به كدليل على الهيبة والحكمة .
وأن يتحكّم فى انفعالاته وأن يكون حديثه محدودا ومحمودا مع الجنس الآخر على استحياء ولا يتعدّى النصائح فقط وأن يحرص على التقرُّب من الله عزّ وجلّ بالعبادة والعمل الصالح
وأن يميل إلى الزهد في الحياة فيقبل على الصلاة والصيام وقراءة القرآن الكريم الذي يحفظه ويحفظ صفاءه وتوازنه
وأن يرضَ بما قسم الله له وأن يعترف لنفسه بأنه فقد أشياء كثيرة كرجل شابّ، ولكنَّ الله وهبه أشياء أخرى كحكيم وشيخ بين الرّجال في المجالس والمحافل ، وأبّ فى المنزل وقيادي في العمل .
وإن لم يرضَ بحكم الله ويقتنع بتلك الأدوار العظيمة وأبَى إلاّ أن يتشبث بقطار التصابي
أقول له : ” افعل ماشئت كما تدِين تدَان “
وأقول أيضاً ” إذا لم تستحي فاصنع ماشئت “