الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد لقد بيّن علماء الدعوة أنه ليس من شروط إقامة الحجة أن يفهمها المُخاطب على التفصيل، فقد قال الإمام المجدد موضحا كلام شيخ الإسلام في قيام الحجة ” فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال الله تعالى في سورة الفرقان “أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ” وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمّر رحمه الله وهو من تلاميذ المجدد “كل من بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى “لأنذركم به ومن بلغ”
وقد أجمع العلماء على أن من بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن حجة الله قائمة عليه، وقيل فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، فقول الشيخ تقي الدين رحمه الله “إن التكفير والقتل موقوف على بلوغ الحجة” يدل آخر كلامه على أن هذين الأمرين وهما التكفير والقتال، ليسا موقوفين على فهم الحجة مطلقا، بل على بلوغها، ففهمها شيء وبلوغها شيء آخر، فلو كان هذا الحكم موقوفا على فهم الحجة لم نكفر إلا من علمنا أنه معاند خاصة، وهذا بيّن البطلان، بل آخر كلامه يدل على أنه يعتبر فهم الحجة في الأمور التي تخفى على كثير من الناس وليس فيها مناقضة للتوحيد والرسالة كالجهل ببعض الصفات” وهل عُبدت الأوثان إلا بالإستحسان والتأويل حيث قال تعالي في سورة النساء “إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا” وقال الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن رحمه الله.
“كل من سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم وبلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة وهذا ظاهر في كلام شيخ الإسلام” وينبغي أن يُعلم الفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة فإن من بلغته دعوة الرسل فقد قامت عليه الحجة إذا كان على وجه يمكن به العلم ولا يشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله ورسوله ما يفهمه أهل الإيمان حيث يقول الله تعالي في سورة الفرقان “أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا” وكما قال تعالى في سورة البقرة “ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ومعنى قوله “إذا كان على وجه يمكن معه العلم” ألّا يكفّر من عديم العقل والتمييز كالصغير والمجنون أو يكون ممن لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له” فالمكفرات القولية والعملية ليست مقيدة بالمعاند، فلا يعذر مرتكب الكفر الأكبر الظاهر الذي لا يخفى على عامة المسلمين إذا كان متأولا أو مجتهدا أو مخطئا أو مقلدا.
وقال الشيخ أبو بطين “فقد جزم رحمه الله أي شيخ الإسلام في مواضع كثيرة بكفر من فعل ما ذكره من أنواع الشرك وحكى إجماع المسلمين على ذلك ولم يستثن الجاهل ونحوه، حيث قال الله تعالى في سورة النساء “إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء” وقال عن المسيح كما جاء في سورة المائدة ” إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار” فمن خص ذلك الوعيد بالمعاند فقط فأخرج الجاهل والمتأول والمقلد فقد شاق الله ورسوله وخرج عن سبيل المؤمنين، والفقهاء يصدرون باب حكم المرتد بمن أشرك ولم يقيدوا ذلك بالمعاند” فقيل كل كافر فقد أخطأ والمشركون لا بد لهم من تأويلات ويعتقدون أن شركهم بالصالحين تعظيم لهم ينفعهم ويدفع عنهم فلم يعذروا بذلك الخطأ ولا بذلك