مقالات وآراء

المدارس بين تدهور الأخلاق وغياب الاحترام..  إلى أين يسير مستقبل التعليم؟”

جريدة الصوت

 فيفى سعيد محمود 

تواجه المدارس في عالمنا العربي اليوم أزمة حقيقية

لا تتعلق بالمناهج أو ضعف الإمكانيات فحسب،

بل تمتد إلى عمق أخلاقي وسلوكي ينذر بانهيار المنظومة التربوية برمتها.

فالمشهد الذي كان يومًا رمزًا للانضباط والاحترام، تحوّل إلى ساحة للفوضى والتمرد،

حيث بات الغش ظاهرة مألوفة، يتم التعامل معها كحق مشروع،

وتراجعت هيبة المعلم أمام سلوكيات عدوانية وتهجم لفظي بل وجسدي من بعض الطلاب،

في ظل غياب الردع وتهاون المؤسسات في حماية كرامة التعليم.

لم يعد مستغربًا أن نرى بعض المدارس تُخلي قاعات الامتحانات من المعلمين حمايةً لهم، وتستعين بقوات أمن لضبط النظام داخل أسوار كانت يومًا منارات للعلم والتربية. هذه الصور الصادمة تعكس حجم الانهيار في قيم الاحترام والانضباط، وتدفعنا لسؤال مصيري: إلى أين يسير مستقبل التعليم؟ إن ما نراه ليس ظواهر فردية، بل نتيجة حتمية لتراكمات تجاهلناها طويلًا؛ بدءًا من ضعف الرقابة، مرورًا بتراخي القوانين، وانتهاءً بعدم تفعيل دور الأسرة والمجتمع في التربية. لذا، فإن أي محاولة للإصلاح لا بد أن تبدأ بتشريعات حاسمة تجرّم بوضوح كل سلوك يهين المعلم أو يهدد هيبة المدرسة، مع تشديد العقوبات على الغش والتنمر والإساءة اللفظية أو الجسدية داخل المؤسسات التعليمية، وفي المقابل، ينبغي أن تعود القيم الدينية والأخلاقية إلى قلب المناهج، لا كدروس نظرية، بل كثقافة تُزرع في وجدان الطلاب من خلال الممارسة اليومية، والنماذج الحية، والقدوة الحسنة.

 كما أن إعادة رسم العلاقة بين الطالب والمعلم يجب أن تتم على أسس من الاحترام والتقدير، لا الخوف أو السلطة، بل الشراكة في بناء الإنسان، وهنا يأتي دور البرامج النفسية والاجتماعية داخل المدارس لاحتواء الطالب وتوجيهه لا قمعه.

الأسرة كذلك مطالبة بأن تعود إلى دورها الأساسي كمؤسسة تربوية، لا أن تكتفي بإلقاء اللوم على المدرسة أو التهرب من المسؤولية.

وفي ظل هذا الواقع، يصبح من الضروري تدريب المعلمين على أساليب إدارة الصف والتعامل مع الأزمات السلوكية، وتوفير دعم إداري وأمني دائم داخل المدارس لضمان بيئة آمنة ومحفزة على التعلم.

 إن المعلم ليس موظفًا عاديًا، بل هو عماد النهضة، وإذا ما انهارت مكانته، انهار معها المستقبل.

لذا فإن صون كرامة المعلم، وفرض الانضباط، واستعادة القيم الأخلاقية، لم تعد ترفًا أو خيارًا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية لإنقاذ أجيال قادمة من الضياع. فالتعليم بلا أخلاق، كالجسد بلا روح، وإذا أردنا مستقبلًا مشرقًا، فعلينا أن نعيد للمدرسة هيبتها، وللمعلم احترامه، وللطالب تربيته قبل تعليمه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock