
الاديب السفاح
كتبها لكم /سيف محمد كامل
الفصل الخامس: استكشاف الظلال
كانت شوارع القاهرة تتنفس بأصوات السيارات وحركة الناس المعتادة، لكن في أعماق قلب رائد، كان هناك صمت عميق يزداد مع كل خطوة يخطوها نحو القضية.
كان يشعر وكأن القاتل الذي يطارده ليس مجرد شخص، بل فكرة، شيء غير مرئي يلتف حوله ويعكس الظلال التي تسكن أعماقه القاتل لم يكن يقتل ضحاياه وحسب، بل كان يشوه معنى الحياة نفسه في عيون الجميع، وكل جريمة كانت تشكل علامة استفهام جديدة على جدار هذا العالم المظلم.
بعد الحادث الأخير، بدأ رائد يرى أن الأمور خرجت عن السيطرة، الأدلة كانت تزداد تعقيدًا، وكل خيط جديد يقوده إلى زوايا مظلمة أكثر، وكان الأمر الأكثر إزعاجًا هو أن القاتل لم يعد يقتل بشكل عشوائي كان يترك وراءه رسائل، إشارات فلسفية ودينية، تؤكد أن الأمر لا يتعلق فقط بالقتل، بل برسالة أعمق، كان القاتل يراهن على أن عقله أكثر ذكاءً من الجميع، وأنه سيلعب هذه اللعبة حتى النهاية.
قال رائد لمساعده كريم وهو يتأمل الجثة الجديدة التي تم العثور عليها في منطقة الزمالك: “هذه الضحية، الدكتور يوسف، أستاذ فلسفة من جامعة القاهرة، لكن هذا ليس كل شيء ،هناك شيء ما في هذا القتل يتجاوز مجرد كونه جريمة.”
كريم، الذي كان يقرأ ملاحظات الجريمة التي عثر عليها القاتل في مكان الحادث، أومأ قائلاً: “تمامًا، رائد القاتل يترك رسائل مشفرة يبدو وكأن هذه الجريمة ليست مجرد عملية قتل، بل هي حلقة في سلسلة أكبر.”
ركَّز رائد على الملاحظات المكتوبة، التي كانت عبارة عن اقتباسات من أعمال فلسفية لعدد من المفكرين المشهورين.
كانت تحتوي على أفكار معقدة حول الفلسفة الأخلاقية وحرية الإرادة، القاتل كان يختار ضحاياه بعناية، وكل واحد منهم كان يمثل مفهومًا فكريًا مختلفًا في علم الفلسفة.
“القاتل ليس مجرد شخص مجنون”، قال رائد بصوت خافت، “هو شخص يحاول أن يعيد ترتيب المفاهيم الكبرى للعالم، ويجعلنا نرى كيف يمكن أن يتداخل الخير والشر في عالم لا يتبع سوى قوانينه الخاصة العالم بالنسبة له مجرد نظريات وفلسفات، والضحايا هم مجرد أدوات لتحقيق هذه الفلسفة.”
كريم، الذي بدا متوترًا، أضاف: “لكن لماذا يقتل بهذه الطريقة؟ لماذا يختار هؤلاء الأشخاص؟ هل هو يعتقد أن هذه الفلسفات ستغير شيئًا في العالم؟”
رائد كان يقف صامتًا لبرهة، مغمضًا عينيه وكأن الأفكار تتزاحم في عقله ثم قال: “يبدو أنه يحاول إثبات شيء ما، أنه يمكن للفكر أن يكون أداة أقوى من الواقع نفسه، وربما… يريد أن يثبت أن القتل ليس مجرد جريمة، بل هو وسيلة لتعليم الناس.”
كانت هذه الفكرة تزعج رائد كان يشعر بأن القاتل يمسك بخيوط اللعبة ويديرها، بينما هو وأعضاء فريقه كانوا يلاحقون الظلال دون أن يتقدموا خطوة واحدة ومع تزايد الضغوط الاجتماعية والإعلامية، بدأ رائد يشعر أن الوقت يضغط عليه السلطات كانت تتعرض لانتقادات لاذعة من وسائل الإعلام والجماهير، الذين بدأوا يطالبون بإجابات والمثير أن تلك الانتقادات كانت تصبح أكثر حدة مع كل ضحية جديدة.
القلق العام
في الشوارع، بدأ المواطنون يتحدثون عن القاتل الذي أطلقوا عليه لقب “الاديب السفاح “. أثيرت العديد من التساؤلات حول الدوافع وراء الجرائم، وبدأت بعض الصحف تنشر فرضيات حول أن القاتل قد يكون شخصًا ما من داخل الأوساط الأكاديمية، ربما عالم فلسفة أو أكاديمي مهووس بمفاهيم الحياة والموت، بدأت وسائل الإعلام تشن هجومًا مباشرًا على الحكومة، مطالبة بإجابات حول الأسباب التي جعلت القاتل يستمر في نشاطه دون توقف.
بينما كان رائد يعمل بجد لإيجاد أدلة جديدة، كانت شوارع القاهرة ممتلئة باللافتات التي تنتقد الحكومة.
بدأ الناس يخرجون إلى الشوارع للمطالبة بوقف جرائم القتل المتتالية، وكان الجميع يتساءل: كيف يمكن للمحققين ألا يعثروا على القاتل بعد أن قتل 12 شخصًا؟
في أحد الأيام، وصل إلى رائد رسالة غريبة. كانت الرسالة مكتوبة بخط اليد، وتحتوي على سلسلة من الأسئلة الفلسفية المعقدة التي بدت وكأنها تحدي شخصي له، كانت الرسالة تحتوي أيضًا على اقتباسات من أحد فلاسفة القرن العشرين الذين تناولوا مسألة الموت، وكان يختتمها بتساؤل: “هل تعتبر أن الموت هو النهاية، أم أنه مجرد تحول؟”
لقد أدرك رائد في تلك اللحظة أن القاتل لم يكن يريد فقط أن يقتل، بل كان يريد أن يعيد تشكيل الطريقة التي نفكر بها في الحياة والموت كان يريد أن يورط المجتمع كله في لعبة فكرية لا تنتهي.
التحقيق يصبح لعبة
بينما كان رائد يتعامل مع الضغط المتزايد، بدأ يشعر أن هناك شيء أكبر من مجرد جريمة على المحك.
كان القاتل يتلاعب بهم جميعًا، وكان يدفعهم إلى حدودهم العقلية وكأن القاتل كان يدرس ردود أفعالهم في كل خطوة.
“رائد، هل تعتقد أنه سيستمر في القتل؟” سأل كريم وهو ينظر إلى رائد بعينين مليئتين بالقلق.
رائد نظر إليه وقال بجدية: “أعتقد أن القاتل سيستمر طالما أننا لا نفهم اللعبة التي يلعبها. هو لا يقتل ببساطة هو يختار ضحاياه بعناية، وكأنهم قطع شطرنج في لعبة فكرية كبرى.”
ثم أضاف، وهو يشعر بضغط مستمر يزداد في قلبه: “لكن في النهاية، ربما لا يكون القاتل هو المشكلة، ربما المشكلة تكمن فينا نحن، في طريقة تفكيرنا وفي ردود أفعالنا.”
كريم شعر بالدهشة من كلمات رائد، ربما كان المحقق على حق، ربما لم يكن القاتل هو الوحيد الذي يواجه اختبارات نفسية ربما كان التحقيق بأكمله اختبارًا للجميع.
الرهانات تتصاعد
ومع مرور الأيام، كانت الجرائم تزداد ترويعًا. كان القاتل يواصل إرسال رسائل تحمل المزيد من الأفكار الفلسفية التي لا تنتهي وكان رائد يشعر بأن الوقت يداهمه، لكن على الرغم من ذلك، كان يعلم أن كل خطوة يخطوها ستقربه أكثر من اكتشاف الحقيقة المظلمة التي يخبئها القاتل في ذهنه.
لكن السؤال الأكبر كان: هل سيستطيع رائد أن يكتشف اللعبة قبل أن يصبح جزءًا منها ؟
يتبع ….