
بقلم: طارق فتحي السعدني
تظل الدراما في عالم اليوم، حيث تتسارع التغيرات وتتنوع مصادر المعلومات إحدى القوى الأكثر تأثيرًا في تشكيل وجدان المجتمعات.
قد يبدو الأمر للوهلة الأولى أن الدراما مجرد شكل من أشكال الترفيه، لكنها في الحقيقة تلعب دورًا جوهريًا ومحوريًا في تشكيل الأفكار والمعتقدات،
بل وفي توجيه سلوكيات الأفراد. إذ تقدم لنا مرآة لواقعنا، وأحيانًا تنبئ بمستقبلنا،
وقد تصبح أداة للتغيير المجتمعي. لكن في الوقت نفسه، يمكن أن تكون عاملًا في تعزيز الأنماط السلبية إذا لم يتم التعامل معها بحذر.
وقد تعكس الدراما احيانا الواقع الاجتماعي، ولكنها في بعض الأحيان تقدم لنا نسخة محورية ومحسنة من هذا الواقع. من خلال الشخصيات والأحداث،
حيث يمكن للعمل الدرامي أن يتناول قضايا حياتية حقيقية مثل الفقر، التعليم، الهوية، والعدالة الاجتماعية،
وهو ما يسهم في زيادة الوعي المجتمعي حيال هذه القضايا. وبالتالي تصبح الأعمال الدرامية أكثر من مجرد قصص خيالية؛
بل إنها تمثل تجارب حقيقية يعيشها الناس، وتعكس التحديات التي يواجهونها.
من خلال هذه الأعمال، يتسنى لنا طرح أسئلة حيوية حول الحياة والمجتمع. على سبيل المثال، في الدراما التي تتناول قضايا مثل الفقر أو التمييز، يخلق المبدعون حوارا داخل المجتمع،
ويمكن أن يؤدي إلى فهم أعمق لهذه القضايا، وربما يدفع الناس إلى البحث عن حلول لها.
وتصبح من العناصر الهامة التي تساهم فيها الدراما هي تكوين الهوية المجتمعية. من خلال تصوير نماذج من الحياة اليومية، تساهم الدراما في خلق صورة ثقافية تساهم في صياغة الوعي الجماعي.
مثلا قد تساهم الأعمال الدرامية في تعريف الأفراد بتقاليد وثقافات وأحداث تاريخية،
مما يساعد في تعزيز الانتماء والمشاركة في المجتمع. فهي تعمل على الحفاظ على التراث الثقافي ونقل القيم عبر الأجيال، لتصبح جزءًا من هوية الأمة.
لكن في هذا السياق، يمكن أن تكون الدراما أداة قوية لتشكيل هوية جديدة أو تسليط الضوء على هويات مجتمعية قد تكون مهمشة.
فمثلاً قد تسهم الدراما في تقديم صورة أفضل عن الأقليات أو تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية التي كانت في الظل، مما يمنح هذه المجتمعات صوتًا ورؤية أوسع.
ونرى حينذاك انالدراما كأداة للتغيير الاجتماعي من أبرز أدوار الدراما هو قدرتها على أن تكون محركًا للتغيير الاجتماعي.
ولا تقتصر أعمال الدراما على مجرد تسلية الجمهور، بل يمكن أن تكون أداة فعالة لتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية الهامة وطرح حلول مبتكرة. في العديد من الحالات،
ونجد أن الأعمال الدرامية قد تكون قدوة للمجتمع في كسر التابوهات، كالقضايا المتعلقة بالمرأة، حقوق الأقليات، والبيئة، مما يدفع إلى تغييرات تشريعية أو حتى حركات اجتماعية كبيرة.
على سبيل المثال، في بعض المجتمعات التي كانت تسودها بعض الأنماط الفكرية المحافظة، كان للأعمال الدرامية التي تناولت قضايا مثل التحرر النسائي أو حقوق الأقليات تأثير إيجابي في تحفيز النقاش المجتمعي حول هذه المواضيع. في هذه الحالة، تكون الدراما أكثر من مجرد وسيلة للترفيه؛ إنها قوة دافعة للتغيير.
لكن كما أن الدراما لها القدرة على إحداث تغييرات إيجابية، فهي أيضًا قادرة على ترسيخ القيم السلبية.
فالعروض الدرامية التي تحتوي على مشاهد العنف أو الأنماط السلبية قد تساهم في تعزيز هذه الظواهر في المجتمع. في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى فحص أكثر دقة للمحتوى الدرامي، وتأثيره على السلوك الاجتماعي والأخلاقي.
إن التحدي يكمن في كيفية تحقيق التوازن بين الترفيه والرسائل الاجتماعية، بحيث لا تسيء الدراما إلى الوعي الجمعي، بل تساهم في بناء مجتمع مستنير.
وفى الختام فان الدراما ليست مجرد وسيلة للترفيه بل هي أداة ثقافية مؤثرة تساهم في تشكيل الوعي المجتمعي.
إنها تلعب دورًا محوريًا في إبراز القضايا الاجتماعية، في تعزيز الهوية المجتمعية، وأحيانًا في تحفيز التغيير الاجتماعي. رغم أن تأثيرها قد يكون عميقًا،
فإن المسؤولية تقع على عاتق القائمين على صناعة الدراما في اختيار المواضيع والتوجهات التي تدفع بالمجتمع نحو الأفضل، وتساهم في بناء عالم أكثر توازنًا وإنصافًا.