
بقلم: محمود سعيد برغش
في كل صباح، ينزل المواطن إلى معركته اليومية، لا ليحارب عدوا، بل ليحارب الحياة نفسها.
تبدأ معاناته منذ لحظة استيقاظه، حيث تتجسد أمامه طوابير الهموم: رغيف العيش، فاتورة الكهرباء، علاج ابنه، دروس ابنته، مواصلات العمل، وربما نظرة موظف متعجرف في جهة حكومية.
نحن لا نتحدث هنا عن رفاهية… بل عن الحد الأدنى من الحياة الكريمة، تلك التي ينص عليها الدستور، ويشتاق إليها الناس.
أولًا: غلاء الأسعار… صراخ في صمت
الأسعار تشتعل في كل شيء:
الغذاء،
الدواء،
المواصلات،
الملابس،
حتى البسمة على وجه الأبناء صارت مكلفة!
والدخل ثابت، أو متآكل، أو معدوم.
كيف يمكن لموظف يتقاضى 4 آلاف جنيه أن يعيش في ظل أسعار تتعامل كأن متوسط دخل الأسرة 20 ألفًا؟!
حتى الدعم، ذلك الذي كان طوق نجاة، بات يُخفف بصمت، وتُرفع السلع من “التموين” دون مقدمات، لتُرمى في الأسواق بأسعار لا يقدر عليها الغالبية.
ثانيًا: الصحة… المواطن مريض والدواء مفقود
منذ متى أصبح الحصول على علاج مجاني حلمًا؟
مريض يحتاج جلسة غسيل كُلى،
طفل مصاب بالصرع،
امرأة تحتاج جراحة عاجلة،
كل هؤلاء عليهم إما الانتظار في طابور الموت، أو البحث عن قرض أو “جامع تبرعات”!
أين حق المواطن في الرعاية الصحية؟
أين قانون التأمين الصحي الشامل؟
ولماذا يُترك الفقير تحت رحمة صيدليات “السوق الحر” بينما تمتلئ تقارير الإنفاق الحكومي بأرقام فلكية؟!
ثالثًا: التعليم… تكدس وعشوائية وشراء للنجاح
بات التعليم عبئًا على الأسرة، لا حقًا من حقوق الطفل.
المدارس الحكومية تُعاني من نقص المعلمين، وسوء البنية، وازدحام الفصول.
أما المدارس الخاصة، فصارت استثمارًا تجاريًا بامتياز، دون رقيب ولا ضمير.
الدروس الخصوصية تأكل 30% من دخل الأسرة شهريًا،
والامتحانات أصبحت سباقًا في الغش لا الفهم.
فهل هذا هو الجيل الذي نعوّل عليه مستقبلًا؟!
رابعًا: المواصلات… تعب وإهانة وسرقة وقت
أن تركب وسيلة مواصلات يوميًا هو أشبه بالنجاة من معركة:
الزحام
الغلاء
التحرش
الغياب التام للرقابة والجودة
مشروع “النقل الذكي” حلم جميل… لكنه لم يصل بعد إلى أغلب المحافظات.
القطارات بطيئة، الطرق خطرة، والمواطن يدفع أكثر مقابل خدمة أقل.
خامسًا: السكن… حياة بالإيجار، و”كمباوند” للأحلام
منذ متى أصبح امتلاك شقة سكنية حلمًا طبقيًا؟
أين مشروع إسكان محدودي الدخل؟
هل من العدل أن يتحول سعر متر الشقة إلى 15 ألف جنيه في مدينة جديدة، بينما يعيش الملايين في عشش أو عشوائيات أو على أرصفة البيروقراطية العقارية؟
سادسًا: الروتين الحكومي… طابور الطوابير
ورقة من هنا، ختم من هناك، توقيع، ورجوع بعد العيد…
المواطن البسيط يُهدر أيامًا من عمره لاستخراج شهادة ميلاد أو رقم قومي أو رخصة، بينما المسؤولون يتحدثون عن “التحول الرقمي”.
أين الحكومة الإلكترونية التي وُعد بها الناس؟
ولماذا لا تزال كثير من القرى والمراكز دون خدمات رقمية رغم مليارات الجنيهات المُعلنة؟
سابعًا: العدالة… بطيئة، مُكلفة، صعبة الوصول
أن تطلب حقك، فذلك يستغرق سنوات في أروقة القضاء.
تكاليف القضايا باهظة، إجراءات التنفيذ معقدة، والمحامي الجيد “حلم”.
والمواطن؟ إما أن يصمت، أو أن يضيع صوته بين جدران المحكمة.
خلاصة المشهد: المواطن وحده في الميدان
المواطن المصري – والعربي عمومًا – يعيش في صراع يومي لا تنقذه فيه سوى “الستر من عند ربنا”.
يصبر، ويسكت، ويتحمل، لكن إلى متى؟
الكرامة ليست شعارًا، بل حياة كاملة.
والدولة القوية لا تُقاس بما تملك من أسلحة فقط، بل بما تُقدمه لمواطنيها من صحة، وعدالة، وفرصة عيش كريم.
رسالة أخيرة:
يا أصحاب القرار…
لا تحكموا على المواطن من خلف المكاتب المكيفة.
انزلوا إلى الشوارع، اسمعوا من القرى، راقبوا الأسواق، انتظروا في المستشفيات، خذوا أولادكم إلى المدارس الحكومية.
وحينها فقط… ستعلمون أن الشعب لا يحتاج إلى وعود جديدة،
بل إلى قليل من العدل، وكثير من الرحمة.