مقالات وآراء

نزيف الأسفلت.. حين يتحوّل الطريق إلى مقبرة مفتوحة

جريدة الصوت

 

بقلم – فيفي سعيد محمود

في كل صباح، لا نُفاجأ بخبر حادثٍ جديد، بل نبحث عن تفاصيله وكأننا نحجز رقمًا في طابور الموت الطويل.
تريلا دهست ميكروباصًا، سيارة اصطدمت بأخرى، شابًا لفظ أنفاسه الأخيرة على الأسفلت، طفلة خرجت ولم تعد، وأسرة كاملة انتهت في لحظة.
الدماء لم تعد تصبغ الطرق فقط، بل صارت جزءًا من ذاكرة المكان، حتى بدا وكأن الأسفلت نفسه يصرخ من فرط الألم.
هل هي صدفة… أم مؤامرة صامتة؟

من يراقب حجم الحوادث وتكرارها، قد يتساءل:
هل نحن أمام سلسلة مدبرة تهدف للتشكيك في مشروعات الدولة؟
أم أننا ببساطة نحصد نتائج إهمال متراكم؟
في الواقع، الحوادث ليست صدفًا متكررة، بل عرضٌ لمرض مزمن اسمه “الخلل البنيوي”، يطال كل مفصل من مفاصل المنظومة:
الطريق، السائق، المركبة، القانون، والضمير.
الطرق… شرايين الموت لا الحياة
ورغم الطفرة الملحوظة في البنية التحتية، والميزانيات الضخمة التي أُنفقت، إلا أن الجودة لا تزال محل شك في كثير من الطرق، خاصة الطرق الداخلية والفرعية التي تربط بين القرى والمراكز.
شوارع ضيقة دون إنارة كافية ،طرق بلا علامات إرشادية، منحنيات قاتلة بلا حواجز حماية،صيانة شبه معدومة، رغم افتتاح بعض الطرق منذ شهور فقط.
أين اختبارات التحمل والمعايير الفنية؟
أم أننا ما زلنا نتعامل بمنطق “الشكليات أهم من الجوهر”؟
هل كان التنفيذ تحت إشراف حقيقي؟

في المشهد ذاته، تتكرر المأساة بأبطال مختلفين:
سائق تريلا مرهق من السفر، أو متعاطٍ، أو متهور
شاب صغير يقود ميكروباصًا بلا ترخيص
سائق أجرة يرى الطريق حلبة سباق

غياب الوعي، وتردي أخلاقيات القيادة، وشراء الرخصة بلا علم أو تدريب حقيقي، فتح الباب أمام جيل من السائقين لا يعترف بالمسؤولية.
إنهم يقودون وكأن لا أحد يموت!
فالسائقون قنابل بشرية على عجلات

إذا كانت الحوادث تتكرر، فمن المؤكد أن الردع غائب، أو أن القانون حبرٌ على ورق.
أين الكاميرات على الطرق؟
ولماذا لا تُسحب الرخص بشكل دائم لمَن يثبت تهوره؟

لماذا لا يُحاسب المهندسون والمقاولون إذا ثبت وجود خلل في تصميم الطريق؟

لماذا لا يُفعَّل الكشف المفاجئ عن تعاطي المخدرات بين السائقين بشكل حقيقي؟

كل طرف يمرر التهمة للطرف الآخر… لكن النتيجة واحدة: تابوت جديد كل يوم.
وهنا نسخر ونتسائل هل الحل عند “العفريت”؟

في القرى، يسخر البعض من تكرار الحوادث قائلين:
“الطريق فيه عفريت!”
لكن الحقيقة أن “العفريت” هو ذلك الإهمال المشترك بين الجميع:

عفريت في يد المسؤول الذي يغض الطرف

وعفريت في رأس السائق الذي يستهين بالحياة

وعفريت في جيب من يتربح من الفوضى على حساب الأرواح
وعفريت القانون وعدم الردع؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock