
المستشار- أسعد محمود الهفل
إذا كان صحيحاً أنّ موازين القوى هي المقرّرة وصاحبةُ اليد الطولى في الحروب التي قامت بين الدول منذ فجر التاريخ، فمن الصحيح أنّ موازين الأخلاق تبقى خالدة في ذاكرة التاريخ، ففي ظل عدم مراعاة القيم الإنسانية يلاحق العارُ مرتكبي تلك الجرائم على مرّ العصور. وإذا كان صحيحاً أن موازين القوى اليوم لمصلحة إسرائيل، التي نراها ترتكب أبشع جرائم التاريخ المعاصر في حرب الإبادة التي تشنها على أهل غزة، فإن من الصحيح أيضاً أن الموازين الأخلاقية جعلت أقرب حلفاء هذا الكيان يجدون حرجًا في الدفاع عنه أمام هول الجرائم التي بلغت حدّ إدانتها من محكمة العدل الدولية وجميع المنظمات الدولية.
وعلى الرغم من أهمية هذه الإدانة لجرائم إسرائيل المستمرة بحق غزة إلا أنها لا تلبي الحد الأدنى المطلوب لإدخال المواد الغذائية والطبية إلى غزة وإيقاف الإبادة التي طالت جميع أهلها، ولاسيما الأطفال والشيوخ والنساء.
إن هول المناظر التي تنقلها وسائل الإعلام يؤكد انحطاط موازين الأخلاق التي يتشدق بها العالم. نعم إن موازين القوى اليوم هي التي تفعل ما تفعله بقتل الأطفال والنساء والشيوخ إلا أن التجارب التاريخية تؤكد أيضًا أن دوام الحال من المحال، وأن الذاكرة البشرية سوف تسجل في تاريخها ارتكاب، ليس إسرائيل فحسب بل حلفاؤها أيضاً، هذه الجرائم بل السكوت عنها.
وإن القاء اللوم على أهل غزة لصمودهم، كأنهم هم من اختاروا هذا المصير الذي فُرِض عليهم فرضاً، فلم يكن الاحتلال يوماً خيارهم؛ لن يعفي العالم من مسؤوليته الأخلاقية التي سوف تبقى تلاحقهم.