مقالات وآراء

جنود بلا سلاح: رجال الدفاع المدني في معركة النار بسنترال رمسيس

جريدة الصوت

بقلم – احمد شتيه

في قلب القاهرة، وبين ألسنة لهب تتصاعد من الطابق السابع لمبنى سنترال رمسيس، وقف رجال الدفاع المدني كتفًا بكتف، لا يحملون بندقية، ولا يرتدون خوذة عسكرية، لكنهم حملوا على أكتافهم مسؤولية وطنية لا تقل أهمية عن أي جبهة قتال.
هؤلاء هم جنود معركة من نوع آخر، معركة ضد اللهب والدخان، معركة من أجل الأرواح والممتلكات، معركة خاضوها بشجاعة نادرة في واحدة من أخطر حوادث الحريق التي شهدتها العاصمة مؤخرًا.

اندلعت النيران قبيل مغيب شمس الاثنين في سنترال رمسيس، أحد أقدم المنشآت الحيوية التابعة للبنية التحتية للاتصالات في البلاد، وسرعان ما التهمت أدوارًا عليا مملوءة بالمعدات الإلكترونية شديدة القابلية للاشتعال ، استغرق الإطفاء أكثر من 10 ساعات متواصلة، واجه فيها رجال الإطفاء درجات حرارة قاتلة، وسط دخان كثيف جعل من الرؤية شبه معدومة، ولكنهم ثبتوا، وتقدموا، دون تردد.

رغم أن المهمة كانت واضحة: إخماد الحريق، فإنها تحولت سريعًا إلى عملية إنقاذ بطولية ، تسلق رجال الدفاع المدني السلالم وهم يسحبون أنابيب المياه الثقيلة، اقتحموا الطوابق المشتعلة لإنقاذ من بداخلها، فأنقذوا أرواحًا من الاختناق، ودفع بعضهم ثمنًا باهظًا، حيث أصيب عدد من الجنود بحالات اختناق وجروح، بعضهم سقط مغشيًا عليه من شدة الدخان، لكنه عاد فور إسعافه ليستكمل المهمة.

نحن نعرف أسماء الجنرالات في المعارك، ونُكرّم القادة في ساحات النصر، لكن كم منا يعرف أسماء رجال الدفاع المدني الذين يحاربون النار يوميًا؟ في حريق سنترال رمسيس، لم يكن هناك “عدو”، إلا لهب قاتل، وسقفٌ مهدد بالانهيار، وكابلات كهرباء تتحول إلى أفاعٍ نارية. ومع ذلك، لم يتراجع أحد، بل تسابقوا إلى مواقع الخطر.

قد لا يحمل رجل الدفاع المدني بندقية، لكنه يحمل خراطيم ثقيلة ويواجه حتمية الموت بلا دروع ، الفرق الوحيد أنه لا يحارب عدوًا ظاهرًا، بل يقاتل خطرًا لا يُرى سوى في حرارة النار أو دخان سام وما فعله رجال الحماية المدنية بالأمس هو تكرار يومي لتضحيات صامتة في كل زاوية من الوطن، من إنقاذ طفل عالق في مصعد، إلى مواجهة تسريب غاز يهدد حارة بأكملها.

اليوم، وأمام هذه التضحية الصامتة، يجب أن نقف احترامًا وتقديرًا لهؤلاء الجنود المجهولين ، نطالب بأن يُنظر إليهم بنفس العين التي تُقدّر رجال الجبهة والحدود، وأن يُخصص لهم يوم وطني، يُروى فيه ما لا ترويه نشرات الأخبار عن بطولات رجال لا يعرفون سوى الصمت والعمل.

في حريق سنترال رمسيس، احترق المبنى، لكن لم يحترق الأمل لأن رجال الدفاع المدني أثبتوا أن مصر محروسة بقلوب لا تعرف التراجع. فهنيئًا للوطن بأبنائه، وهنيئًا للمصريين بمن يقاتلون النار كما يقاتل الجندي على الجبهة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock