كانت سوريا، منذ فجر التاريخ، ساحةَ صراع بين القوى الإقليمية والدولية وذلك لموقعها الاستراتيجي؛ فقد كان الصراع بين الروم والفرس قبل الإسلام على هذه المنطقة على أشدّه، وبعد الفتح الإسلامي لم تتوقّف موجات الحروب الصليبية التي استمرت على مدار التاريخ، وذلك كان لأهمية موقع سوريا الجغرافي،وتحكّمها في الطرق البرية كافة التي تربط الشرق الأوسط بالقارة الأوربية وموقعها على البحر المتوسط.بل حتى بعد تحريرها من الاستعمار الفرنسي كان التنافس بين المعسكرين الغربي والشرقي “الاتحاد السوفييتي وأمريكا” لأجل جعلها ضمن منطقة نفوذ كلٍّ منهما. إنّ أهمية سوريا في الأمن القومي العربي تُعدّ أساسية، وهذا ما جعل البعض يطلق مقولة لا حرب من دون مصر ولا سلام من دون سوريا، وهذا صحيح بالمطلق.
إن أهمية سوريا للأمن القومي العربي عامةً والخليج العربي خاصةً تحتّم على الإخوة العرب تقديم كلّالعون لاستعادة سوريا عافيتها والوقوف على قدميها من جديد بعد سقوط النظام البائد، الذي جعل من موقع سوريا ورقةَ ابتزازٍ للقوى الإقليمية والدولية لأجلضمان استمراره من دون يعبأ بمصالح الشعب السوري أولاً، والأمن القومي العربي ثانياً، الذي لا يمكن أن يتحقق من دون سوريا كجزء لا يتجزأ منه يتأثر بها ويؤثر فيها. إنّ قرب موقع سوريا الجغرافي والديمغرافي من الجزيرة العربية يستوجب احتضان سوريا الجديدة والإسراع بتقديم كلّ ما يلزم من دعم سياسي واقتصادي.
لقد أثبت العقدان السابقان خطورة ابتعاد سوريا عن محيطها العربي عامةً والخليجي خاصةً في منطقةٍتقوم على التنافس الشديد بين القوتين الإقليميتين “تركيا وإيران”. لقد حاول النظام السابق إبعاد سوريا عن محيطها العربي وتغيير هويتها التاريخية بإدخالها في محاور تتنافى مع طبيعتها المتشابكة مع محيطها العربي.
إن سوريا دولة مركزية مهمة بما تمتلكه، ودورها في مصير الأمن القومي العربي أساسي، واستعادة هذا الدور يجب أن تكون من أولويات الأمن القومي العربي والحرص على وحدة ترابها وشعبها. إن الدور العربي ما يزال دون المطلوب باستثناء المملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة الكويت التي بادرت إلى إرسال الوفود لتقديم الدعم السياسي وإرسال الإغاثة للشعب السوري. إن الإدارة الجديدة في دمشق تدرك أن أمن واستقرار سوريا لن يتحققا من دون الدعم العربي عامةً والخليجي خاصةً؛ لذا كانت الوجهة الأولى لزيارة وزير الخارجية أسعد الشيباني المملكة العربية السعودية. إن الروابط التاريخية التي تربط الشعب السوري بدول الخليج عميقة ومميزة. أمام الأمن القومي العربي لحظة تاريخية لاستعادة أمنه، وهذا يتطلب مساعدة الشعب السوري لبناء دولته الجديدة من دون أيّ تردد أو تأخير؛ فالأحداث في منطقتنا متسارعة ولا تحتمل التردد، والخاسرون من سقوط النظام البائد لن يترددوا بكلّ الوسائل في استعادة موطئ قدم لهم في سوريا الجديدة لأدراكهم أهميتها الاستراتيجية.
المستشار/ أسعد محمود الهفل