مقالات وآراء

أصوات متداخلة

جريدة الصوت

ياسر أبو الريش

في هذ اليوم.. تشاجر أبي مع امي ولم تكن هذه عادتهم.. ولكنه ضغظ الظروف المعيشية والحصار.. خرج مسرعاً من باب البيت..لحقت به وأمسكت يده في محاولة لتهدئته..
سار سريعاً كأنه يريد اللحاق بشئ ما.. أشرت لـ زياد وأنس رفقائي وابتسمت لهم .. وصلنا.. فتح أبي الدكان وبدأ ترتيب البضاعة وكانت يدي تسبق يده في ” الرص” والترتيب.
فجأة صوت قوي هزني..وقعت البضاعة كلها على الأرض..السماء امتلأت بطائرات حربية، زنانات العدو حجبت نور السماء، صوت الانفجارات زاد وتتابع.
جرى أبويا ناحيتي واحتضنني بعنف، ونظر في اتجاه الغارات، وسحبني من يدي وجرى مسرعاً.
الجميع كان يجري في كل اتجاه.. البيوت أصبحت ركام..مربع بيتنا اختفى بمن فيه.. وأصوات متداخلة تنادي على الإسعاف..
رأيت زياد وأنس واقعين على الأرض والدماء تغطى وجوههم.. يرقدان بلاحركة ولاصوت..”كوموا” بجوارهم أطفال كثر نفس وضعهم.. رأيت نصف صفي في المدرسة يرقدون على الأرض وقد فارقوا الحياة.
ساد الصمت كل شئ..حتى صريخ النساء الملكومة انقطع، لم أشعر سوى بيد تجذبني من ذراعي بعيداً.. كانت خالتي، التي القتني في حضنها وهي تبكي.
في اليوم التالي جاء أبي لبيت خالتي ماسكاْ بندقيته قبلني واحتضني واستودعني وأدار ظهره واختفى.
من خيمة لأخرى ومن منطقة لأخرى لم تهدأ رحلة النزوح حتى تورمت أقدامنا.. ودابت احذيتنا.
كل يوم كان عددنا يتضاءل وندفن ما يتبقى من جسد أهلنا.. كنا نتفقد بعضنا البعض ليلاً ونتأمل في وجوه بعضنا فلاندري من سنفارق في الصباح.. حتى أوراق الشجر لم تسد جوعنا.
15 شهراً لم ننم بعيون مطمئنة، ولم نشبع بطوننا من أكلة، ولم تسمع أذاننا سوى أصوات الطلقات وأزيز الطائرات وصريخ سيارات الإسعاف الذي خفت بعد أن اسُتهدفت.
عاد أبي ..احتضنني وسجد على الأرض وقال بابتسامة حزينة .. الطوفان بدد تكالب الأحزاب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock