صحف وتقارير

حرب الروايات: كيف صنعت الصحف انتصاراً لكل أطراف الصراع 

جريدة الصوت

بقلم احمد شتيه

 باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى

 

وسط دخان المعارك وصدى الصواريخ المتبادلة بين إيران وإسرائيل،

برزت معركة أخرى لا تقل شراسة،

لكنها بلا دماء ولا دمار مادي: معركة الإعلام .

 

 فقد انطلقت وسائل الإعلام في طهران وتل أبيب وواشنطن

في سباق محموم لصياغة صورة “المنتصر” وتشكيل وعي شعوبها، بل والعالم،

حول ما جرى بالفعل في ساحة الحرب.

إيران: انتصار المقاومة واستمرار الصمود ،

الصحف الإيرانية الرسمية وشبه الرسمية،

وعلى رأسها “كيهان” و”جوان”، سعت منذ اللحظة الأولى

لتصوير الحرب كصفعة لإسرائيل وانتصار لمحور المقاومة ،

تم تسليط الضوء على استهداف مواقع إسرائيلية حساسة بالصواريخ الباليستية،

وتم التعتيم على الخسائر أو فشل بعض الهجمات،

لتظهر إيران وكأنها فرضت معادلة ردع جديدة،

وكسرت الخطوط الحمراء دون أن تُكسر هي.

إسرائيل: “إفشال العدوان” وتوجيه ضربات دقيقة ،

في الجانب الآخر، وصفت الصحف الإسرائيلية الكبرى مثل “يديعوت أحرونوت” و”هآرتس” ما جرى بأنه نجاح استخباراتي وعسكري في تحجيم قدرة إيران على الردع، والرد عليها بضربات موجعة استهدفت مواقع نووية ومراكز للحرس الثوري ، تم ترويج أن ما وصفوه بـ”رد الفعل المحدود لإيران” دليل على الردع الإسرائيلي، بينما تم تجاهل أو التقليل من حجم الأضرار التي لحقت بالجبهة الداخلية.

أمريكا: إدارة الأزمة وتثبيت الهيمنة ، أما الإعلام الأمريكي، فانقسم بحسب الاتجاهات السياسية ، بينما صورت بعض القنوات الليبرالية مثل CNN الحرب كمؤشر لفشل سياسات الردع السابقة في الشرق الأوسط، رأت قنوات محسوبة على التيار المحافظ مثل Fox News أن تدخل أمريكا المحدود وجه ضربة ذكية للطموحات الإيرانية، وأعاد واشنطن إلى موقعها كصانع قواعد اللعبة في المنطقة.

رغم التناقض بين هذه السرديات، يتفق الخبراء على أن الإعلام لم يكن مجرد ناقل للحدث، بل صانع له ، كل طرف روّج لروايته الخاصة، ومارس “الانتصار الإعلامي” حتى لو لم يكن هناك نصر حقيقي على الأرض وهنا يظهر سؤال مهم: هل ما زال الإعلام محايدًا؟ وهل يلعب دورًا في تشكيل قناعات الناس، أم أنه مجرد أداة في يد السلطة؟

الإجابة واضحة: نعم، الإعلام يوجّه المواطن، ويخلق له تصورًا قد يكون بعيدًا عن الواقع ، في زمن الحروب، يتعاظم هذا الدور، ويصبح الإعلام أداةً لتعبئة الجبهة الداخلية، أو لطمأنة الشارع، أو حتى لصياغة “العدو” في ذهن المواطن.

 هذا الدور قد يكون مؤثرًا لدرجة أن مواطنًا إيرانيًا وإسرائيليًا وأمريكيًا يخرج من نفس الحرب، وهو مقتنع أن بلده انتصر، وأن الطرف الآخر في حالة انهيار.

لا يمكن فصل أداء الإعلام عن الضغوط السياسية والاعتبارات الأمنية، في أوقات الأزمات، تتراجع القيم الصحفية التقليدية مثل الحياد والموضوعية، وتحل محلها شعارات “الأمن القومي” و”الحرب النفسية”. بعض الصحفيين قد يكونون ضحايا توجيه، والبعض الآخر شركاء في صناعة الأكاذيب لأغراض أيديولوجية أو قومية.

في النهاية، تكشف تغطية الحرب الإيرانية الإسرائيلية أن الحقيقة ليست دائمًا ما يُقال في الصحف، بل غالبًا ما تُدفن تحت عناوين الانتصارات والتصريحات الرنانة. وعلى المواطن الواعي أن يدرك أن الحروب لا تُخاض فقط في الميدان، بل تُحسم أحيانًا في عقول الناس، حيث يكون الإعلام هو السلاح الأخطر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock