مقالات وآراء

غزة بين نار الاحتلال وأكاذيب الاتهام… من يُجَوِّع الفلسطينيين حقاً؟

بقلم: الجيوفيزيقي محمد عربي نصار
مقدمة: حين تُزَيَّف الحقيقة تحت الأنقاض
في الوقت الذي تتساقط فيه القذائف فوق رؤوس أهل غزة، وتحترق الأجساد وتُهدم البيوت، تخرج أصوات مأجورة على منصات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تتهم مصر زورًا بأنها تحاصر القطاع وتتسبب في تجويع شعبه، متجاهلةً حقيقة دامغة يعرفها الجميع: أن الاحتلال الصهيوني هو من يفرض الحصار، وهو من يتحكم في الأكسجين الذي يتنفسه الفلسطينيون، وهو من يصنع الموت في البر والبحر والسماء.
أولاً: الحصار ليس وليد اللحظة… والاحتلال هو الجاني الأول
منذ عام 2007، عقب سيطرة حركة “حماس” على قطاع غزة، فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا كاملاً على القطاع، بمشاركة محدودة من بعض القوى الدولية تحت ذريعة “منع تسليح التنظيمات الإرهابية”. إلا أن الحقيقة على الأرض كانت وما زالت واضحة: الاحتلال حوَّل غزة إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، يقنّن فيه دخول الغذاء، ويُمنع فيه الدواء، ويُراقب فيه حتى عدد السعرات الحرارية التي تصل للمدنيين، كما كشفت وثائق إسرائيلية مسربة في 2012.
ثانيًا: مصر… بوابة الحياة لا الموت
رغم أن مصر لا تتحمل مسؤولية الاحتلال أو تبعاته، فإنها تحمّلت الكثير من الضغوط والافتراءات بسبب موقفها الإنساني الثابت تجاه غزة، وفتحت معبر رفح في كثير من الأحيان لتقديم الدعم الطبي والغذائي، واستقبال الجرحى، ونقل المساعدات.
ومع كل عملية عسكرية إسرائيلية، كانت القوافل المصرية تنطلق إلى غزة، من الهلال الأحمر المصري، من وزارة الصحة، من نقابات الأطباء والصيادلة، من الشعب المصري نفسه.
أكثر من 4000 طن من المساعدات تم إدخالها خلال الأشهر الأخيرة رغم صعوبة التنسيق وتعقيدات الأمن.
لكن السؤال البديهي:
هل معبر رفح يمكنه وحده أن يُطعم مليوني إنسان؟
بالطبع لا.
القطاع يعتمد بنسبة تفوق 70% من احتياجاته على المعابر الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وعلى رأسها كرم أبو سالم، الذي تغلقه إسرائيل متى شاءت وتفتحه تحت شروطها، وهذا ما فعلته خلال الحرب الأخيرة، حيث أغلقت جميع المعابر ومنعت دخول الغذاء والوقود والمساعدات الإنسانية.
ثالثًا: الجريمة الكبرى… سلاح التجويع
منذ بدء عدوان 7 أكتوبر 2023، مارست إسرائيل أبشع أنواع العقاب الجماعي بحق المدنيين الفلسطينيين، فقصفت مستودعات الغذاء، ومحطات الكهرباء، وآبار المياه، ومخازن الأدوية، حتى باتت غزة تغلي من الجوع والعطش والمرض، بلا وقود لتشغيل المخابز أو المستشفيات، وبلا مياه صالحة للشرب في معظم المناطق.
وخرجت تصريحات علنية من وزراء في حكومة الاحتلال تدعو لتجويع غزة كوسيلة ضغط سياسي وعسكري، مثل تصريح وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير الذي قال صراحة: “يجب أن يعرف الغزيون أن دعمهم لحماس يعني الجوع والعطش والموت”.
رابعًا: تشويه صورة مصر… حملة ممنهجة بأقلام مأجورة
من المؤسف أن نجد بعض الأصوات، سواء من جهات مغرضة أو من مستخدمين عاديين تائهين، يرددون أن مصر هي من تُجَوِّع غزة. هؤلاء يتجاهلون عمداً أو جهلاً أن مصر:
لا تحتل غزة.
لا تتحكم في المجال الجوي أو البحر.
لا تمنع دخول المساعدات، بل ترسلها وتنسق لإدخالها.
لا تقصف الأفران أو المستشفيات أو المدارس.
الواقع أن هذه حملة دعائية مدروسة هدفها إرباك الرأي العام وتفكيك الموقف العربي، من خلال دس الأكاذيب وتحميل الجار المصري مسؤولية الكارثة التي سببها الاحتلال بآلة القتل والجوع.
خامسًا: مصر بين ثوابت التاريخ ومعادلات الجغرافيا
لم تكن مصر يومًا خصمًا للفلسطينيين. بل كانت دومًا سندًا للمقاومة، وملاذًا للهاربين من القصف، ووسيطًا نزيهًا في مفاوضات وقف إطلاق النار. مصر دفعت دماء من جيشها في حروب سابقة من أجل فلسطين، وأبوابها لا تزال مفتوحة إنسانيًا رغم التحديات الأمنية الكبيرة.
كما أن مصر تعرف جيدًا أن أمنها القومي لا ينفصل عن أمن غزة، وأن تجويع القطاع يعني انفجارًا قد يصل إلى سيناء، وأن انهيار الحياة هناك هو تهديد مباشر للمنطقة كلها.
خاتمة: من يملك الحقيقة؟ ومن يصنع الموت؟
إذا أردت أن تعرف من يقتل شعب غزة، فانظر إلى الطائرات التي تلقي القنابل، وإلى الدبابات التي تقصف المدارس، وإلى من يمنع دخول الدواء والغذاء والماء.
وإذا أردت أن تعرف من يحاول إنقاذ غزة، فانظر إلى قوافل الأطباء المصريين، وإلى الشاحنات التي تعبر من رفح، وإلى الأصوات المصرية التي تطالب بالوقف الفوري للعدوان.
غزة لا تحتاج للاتهامات الزائفة… بل تحتاج لتجفيف منابع الكذب، وكسر آلة الاحتلال، واستعادة إنسانية العالم المفقودة.
ومصر، كانت وستظل، بيت العرب الكبير… الذي يفتح أبوابه رغم الحصار والكذب والنار.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock