
بقلم احمد شتيه
باحث في الشأن الاستراتيجي والأمن القومي
في تطور مفاجئ للأحداث، أعلنت الحكومة الإسرائيلية موافقتها على السماح بدخول دفعات جديدة من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم.
وجاء القرار بعد أسابيع من تشديد الخناق على القطاع المحاصر، مما أثار تساؤلات حول دوافع هذا التراجع الجزئي ، هل رضخت تل أبيب للضغوط الأمريكية المتزايدة؟ أم أن هذه الموافقة جزء من مخطط أوسع لإعادة تموضع السكان الفلسطينيين جنوبًا؟
في الآونة الأخيرة، تصاعدت حدة الانتقادات الأمريكية لإسرائيل، لا سيما بعد تصاعد الكارثة الإنسانية في غزة وارتفاع عدد الضحايا المدنيين وأعربت إدارة بايدن، رغم دعمها التقليدي لتل أبيب، عن “قلق بالغ” من الوضع الإنساني، مطالبة بفتح ممرات آمنة وإدخال مساعدات عاجلة وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن واشنطن لوّحت باستخدام أدوات ضغط غير تقليدية، مثل تأجيل شحنات عسكرية أو مراجعة الدعم السياسي في المحافل الدولية، ما دفع إسرائيل إلى محاولة امتصاص الغضب الدولي عبر هذه الخطوة.
لكن في الوقت نفسه، يحذر محللون فلسطينيون ودوليون من أن إسرائيل قد تستخدم إدخال المساعدات كوسيلة لإعادة توجيه السكان الفلسطينيين نحو الجنوب، تحديدًا إلى منطقة رفح، في محاولة لخلق “واقع جديد” يخدم أجندتها الأمنية والديمغرافية ، إذ تُظهر الخرائط الميدانية وتحركات القوات الإسرائيلية أن هناك نية لدفع السكان من شمال ووسط القطاع إلى الجنوب، ما يعزز فرضية أن المساعدات تُستخدم كطُعم لتجميعهم في رقعة محددة استعدادًا لعملية عسكرية موسعة أو لمخطط تهجير طويل الأمد.
وسط هذه التوترات، تلعب مصر دورًا دبلوماسيًا معقدًا في المفاوضات الجارية في قطر، التي تهدف إلى تثبيت هدنة إنسانية طويلة أو تبادل أسرى وتعمل القاهرة كوسيط محوري بين حماس وإسرائيل، مستفيدة من علاقاتها القوية مع الطرفين، لكنها تجد نفسها أيضًا مضطرة لموازنة الضغط الشعبي العربي والاعتبارات الأمنية على حدودها الشرقية.
وتؤكد مصادر قريبة من المفاوضات أن الوفد المصري دفع باتجاه ربط أي تقدم سياسي أو أمني بإدخال مساعدات إنسانية فورية، مما يجعل التحرك الإسرائيلي الأخير انعكاسًا جزئيًا للنجاح المصري في إدارة الملف ومع ذلك، لا تزال مصر ترفض أي محاولة لتفريغ القطاع من سكانه، وتُصرّ في المباحثات على ضمانات بعدم المساس بسيادة غزة أو تحويل المساعدات إلى أداة للابتزاز.
يبقى إدخال المساعدات خطوة إنسانية مطلوبة، لكنها ليست بريئة بالكامل، فبين الضغوط الأمريكية والحسابات الإسرائيلية والدور المصري الحذر، يتعين قراءة القرار في سياق سياسي وأمني معقد، يفتح الباب لسيناريوهات متعددة تبدأ بالإنفراج المحدود ولا تستبعد تصعيدًا مستقبليًا إذا لم تُضبط الأمور دوليًا بشكل جاد.
والسؤال الذى يفرض نفسه هل ما نشهده اليوم هو بداية لانفراجة إنسانية؟ أم مقدمة لفصل جديد من معاناة شعب محاصر؟ الزمن وحده كفيل بكشف النوايا.