
عندما تعشق المرأة
قراءة بقلم / محمد البنا
لقصيدة ” والشمس أنت ”
سمية الاسماعيل
الشمس أنت..
أما لو أقمت جدار قلبي
قبل أن ينقّضّ
و الله لو خُيرت، ما استبدلتك إلّا بأنت و إن عاث سلطان عشقك بي طغيانًا
أيها المستغرق في دميّ
لا تستبح حرمة الشوق، فإنها في معتكف البوح تتبتل
خالصة لك، طوعًا ما بعده عصيانا
دع العشق يبلغ أشدّه، فإن تحت الرماد جمرٌ من لهفة، أنت غايتها و المرام..
كأس مدام،
ريحك إن مرّت ، أثقلت من ضوعها أنفاسي، فما أنجبت إلّا آهٍ و حرّ الزفرات
و ما زلت تقول ، ولّاتَ!
و بعد…
أيا واردًا نبع ودادي، هلّا ألقيت عليّ محبّة منك و أنت تمرّ بجار قلبي..
فطرح فؤادي ما زال خَضِرًا، لم تصفعه شمسك و قد آن أوان ينعي..
يا أيها الملأ!
أما من معبّرٍ يهديني التأويل؟
فإني رأيت أحد عشر قمرًا يأتوني بك.. بساط النجم يحملك هونًا
مددتني بالوصل حولًا
و ختامها أربعون صواعًا من وجدٍ أفرغتها، و ما زال وعائي يسأل هل من مزيد!
أتراه رجعٌ بعيد ؟
أنتظر بفراغ صبر
حتى يؤوب هدهد الأماني
فإنّي قد حمّلته من لوعتي، بعضٌ من فراغي
هذا الذي..
ما ملأ سلال جنيّه إلّاك
اسقني فإن الرعاء حولي كثر
و أنا العطش إلى سلافك
لا تتولّى!
فأنت الساقي، و أنت النديم، ..
في سوق العشق كل بضاعة غيرك مزجّاة .. و منك أشتري الود بعمري كلّه
حيث لا بيعٌ سواك أبتغيه و لا خلّة
سمية الإسماعيل/سورية Sumaya Al Essmael
___________________
القراءة
________
* والشمس أنت، وأنت لي كل شيء
هذه الجملة تلخص بإيجاز واف كل ما تعرضت له الكاتبة من تفاصيل منمنمة ودقيقة لما يجتاحها من شبق عشقي روحاني ملائكي إنساني بكل إريحية، وكأنها أرضٌ ظامئة تتوق لقطرة ماء!
* عندما تحب المرأة؛ ترى في حبيبها كل شيء تحتاجه ..الأمان والحنان والود والرعاية والاهتمام والعاطفة والاحتواء، باختصار تراه في كل شيء حولها وداخلها، وشاعرتنا أجادت التعبير بطلاقة وعفوية ، فلا نرى أو نلمس تصنعًا في التناصات المتعددة، التي ذكرت مضفرة بحسٍ عاطفي شديد الرهافة، لتضع أمامنا مشهدًا تعبيريًا ناطقةٌ أحرفه، وموحيةٌ كلماته، لتتحول الكلمات إلى جمل والجمل إلى موجات مشاعر تتري في هدوءٍ عاصف؛ كما عبرت عنه في قولها
– فإن تحت الرماد جمرٌ من لهفة، أنت غايتها و المرام..كأس مدام.
تقاذفتنا أمواج عشقها على شفا تناصات قرآنية، فمن (( فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض )) الآية ٧٧ سورة الكهف ((
إلى (( فلا بيعٌ ولا خلة )) سورة الجمعة، على بساط ريحٍ حملتنا أمواجها عبر (( ألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني )) سورة طه، و (( يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤية تعبرون)) سورة يوسف الآية ٤٣، و (( إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)) الآية ٤ سورة يوسف، و ((قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ)) سورة القصص، و ((فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين)) الآية ٨٨ سورة يوسف.
* رحلة غنية بالمعاني والصور البلاغية الناشئة من تناصات موفقة، تناصات تشابهت في الشكل اللفظي الحركي، واشتق منها انزياحات غاية التوفيق الدلالي جزئيًا أو كليًا.
أنا العطشى لك فاسقني، وأنا نبع ودادك فادلو دلوك وارتوي، وأنا الفارغٌ قلبي فاملأه عشقا، مددتني بالوصل حولا، وما زال وعائي يسألك هل من مزيد، فأنت الساقي، وأنت أنت النديم.
هو العشق في أبرز حالاته اكتمالا، حيث لا شبع، وإنما جوعٌ دائم لما ينع وطاب، وعطشٌ دائم لما يطفئ النار فيزيدها اشتعالا.
* هي الرغبة إذًا وهو المرجو والمؤتمل!
* هي الحياة وهو شمسها وما قبل الشمس وما بعدها.
* هي ثمرةٌ ينعت، وهو الحاصد المشتهى.
هي باختصار إنموذج حي للمرأة حين تعشق؛ تجود بنفسها وأنفاسها وجسدها ومشاعرها لمن تحب؛ عطاءٌ بلا حدود وارتواءٌ بلا حدود.
** الصور البلاغية :
تتعدد الصور البلاغية في تمازج تام مع التناصات القرآنية، ليشكلا معًا فسيفساء ثرة بالمعاني تتدفق المشاعر من كلماتها المتناثرة على جنباتها، مانحةً الحر والحاجة لنسيم يرد الروح إلى روحها، والبرد واحتياجه الشديد للمسة دافئة، والانتظار وأمله المتقد في تلبية…
– عاث سلطان عشقك بي طغيانًا/ تملك وتمكن واجتياح
– لا تستبح حرمة الشوق، فإنها في معتكف البوح تتبتل/ دعوة ورجاء
– المستغرق في دمي/ ذات دلالتين؛ السيطرة، والانصهار
– ما زال وعائي يسأل هل من مزيد!/ كناية عن العطش
وتترى الصور البلاغية بلا توقف كما التناصات تترى إلى أن يختتم النص بما هو أهلٌ له؛ عملية تبادلية، الود مقابل العمر، وأنت ولا غيرك أنت أحد، في تأكيدٍ مباشر ومختصر لعملية تبادلية سبقتها مؤطرة بقسم ( والله لو خُيرت، ما استبدلتك إلّا بأنت).