
بقلم:احمد شتيه
باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى
في مشهد يعيد إلى الأذهان لحظات التوتر القصوى في تاريخ الصراع الإيراني–الإسرائيلي، شنت إيران أمس هجمات صاروخية واسعة النطاق استهدفت عدة مواقع داخل إسرائيل، في ما وصفه مراقبون بأنه “رد مباشر وغير مسبوق” على الهجمات الإسرائيلية المتكررة التي طالت منشآت إيرانية وقيادات بارزة في الحرس الثوري خلال الأسابيع الماضية.
تشير المعلومات الأولية إلى أن الهجمات الإيرانية استخدمت مزيجًا من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، حيث تم استهداف مواقع عسكرية في النقب، وقواعد دفاع جوي قرب تل أبيب، إضافة إلى منشآت استخباراتية في الشمال.
ورغم تفعيل القبة الحديدية والأنظمة الدفاعية الإسرائيلية بنجاح في اعتراض جزء كبير من المقذوفات، إلا أن بعض الضربات أصابت أهدافًا حساسة، وأدت إلى تعطيل أنظمة اتصالات عسكرية مؤقتًا.
الردع الإيراني، ولو جزئيًا، تحقق؛ فطهران أوصلت رسالتها: “لسنا الحلقة الأضعف” ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل كان هذا الرد كافيًا لإحداث توازن ردع حقيقي؟ أم أنه مجرد تصعيد عابر يزيد من تعقيد الأزمة؟
تصاعد حدة الصراع بين إيران وإسرائيل لا يبدو أنه سينتهي قريبًا، كلا الطرفين ينطلق من قناعة راسخة بأن الآخر لا يفهم سوى لغة القوة.
وبينما ترى إسرائيل في البرنامج النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا، تنظر طهران إلى الضربات الإسرائيلية داخل أراضيها كاعتداء على السيادة.
التوقع الأقرب للواقع هو استمرار وتيرة الصراع بشكل غير منتظم، عبر ضربات محسوبة، وعمليات استخباراتية وأذرع إقليمية موالية لكل طرف ومن المرجّح أن تشهد الساحة اللبنانية والسورية واليمنية امتدادات لهذا الصراع، وهو ما ينذر بانفجار إقليمي أوسع.
الهجمات الأخيرة تضع دول الخليج في موقف دقيق؛ فهي من جهة تخشى تبعات التوتر المتصاعد على أمنها الداخلي وأسواقها النفطية، ومن جهة أخرى ترى في ضعف إيران فرصة لتقوية تحالفاتها مع الغرب وإسرائيل.
أما مباحثات الاتفاق النووي، فباتت في مهب الريح ، واشنطن تبدو عاجزة عن دفع الطرفين إلى طاولة التفاوض في ظل التصعيد العسكري. وربما تشهد المرحلة القادمة تجميدًا طويل الأمد للمفاوضات، ما يفتح الباب أمام إيران للمضي قدمًا في برنامجها النووي بوتيرة متسارعة.
في رأي الكاتب، الصراع الإيراني–الإسرائيلي لن ينتهي في الأمد القريب ما لم يحدث تغيير جذري في البيئة الإقليمية والدولية ، فكل طرف يسعى لتعزيز مكاسبه على الأرض قبل الدخول في أي تسوية ، غير أن استمرار هذا التصعيد قد يؤدي إلى مفاجآت كبرى، سواء كانت حربًا إقليمية مفتوحة أو تدخلًا دوليًا موسعًا.
أما عن الفائز، فحتى الآن لا رابح في هذه المعركة المستمرة. الطرفان يخسران على المدى البعيد، والمنطقة بأكملها تدفع الثمن: أمنيًا، واقتصاديًا، واستراتيجيًا. والفائز الحقيقي سيكون من يملك الشجاعة الكافية لإيقاف دوامة الدماء وفرض مسار دبلوماسي واقعي يحقق توازن المصالح ويوقف نزيف الخسائر.
صواريخ إيران أمس كانت صاخبة وموجهة بعناية، لكنها لم تُسكت صوت الحرب ، الصراع مستمر، والمعركة الكبرى ليست في السماء، بل في عقول من يصنعون القرار.