صحف وتقارير

من الفائز في نهاية مسرحية الحرب والسلام ؟

جريدة الصوت

بقلم احمد شتيه 

باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى

 

في خطوة لم يتوقعها كثيرون، أعلنت الولايات المتحدة، برعاية مباشرة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب،

التوصل إلى اتفاق سلام مفاجئ بين إيران وإسرائيل،

بعد أسابيع من تصعيد عسكري حاد كاد يجر المنطقة إلى حرب شاملة.

يأتي الاتفاق في لحظة حرجة،

وسط تغيّرات جيوسياسية متسارعة،

ووسط تساؤلات كبرى:

هل هذا سلام دائم أم هدنة مؤقتة؟

ومن خسر ومن ربح في نهاية هذه “المسرحية” العسكرية؟

وفق مصادر دبلوماسية مطلعة، فإن مفاوضات غير معلنة بدأت في الخفاء منذ بداية التصعيد، قادها فريق ترامب من خلال وسطاء إقليميين أبرزهم سلطنة عمان وروسيا ، وبالرغم من الهجمات المتبادلة بين الطرفين، اتضح لاحقًا أن بعض العمليات العسكرية كانت تضبط بإيقاع لا يتجاوز الخطوط الحمراء.

ترامب الذي يسعى إلى العودة بقوة إلى المشهد الدولي مع اقتراب انتخابات 2026 قدّم نفسه كصانع سلام، واستغل حالة الإنهاك الإقليمي لكل من إيران وإسرائيل، والعزلة الدولية المتزايدة على تل أبيب، ليطرح مبادرة سلام مشروطة تتضمن: وقف إطلاق النار الفوري ، تعهد إيران بتجميد بعض أنشطتها النووية مقابل رفع جزئي للعقوبات ، التزام إسرائيل بعدم استهداف منشآت عسكرية داخل إيران ، بدء محادثات أمنية إقليمية تشارك فيها أطراف عربية.

 الرابح والخاسر من المواجهة ، الرابح الأكبر: دونالد ترامب نفسه، الذي نجح في كسب نقاط سياسية في الداخل الأمريكي والعالمي ، كذلك خرجت إيران بنقاط قوية، فقد أظهرت قدرتها على الردع دون الوقوع في حرب شاملة، وكسرت العزلة جزئيًا ، أما إسرائيل فاضطرت إلى الانحناء للعاصفة بعد فشلها في كسر إرادة إيران أو القضاء على قدراتها الدفاعية.

الخاسر الأكبر: كان حلفاء الطرفين من وكلاء إقليميين، كالميليشيات في سوريا ولبنان، وحركات المقاومة، الذين تُركوا خارج ترتيبات الاتفاق. كما أن دول الخليج تجد نفسها الآن أمام ترتيبات أمنية جديدة قد لا تكون في صالح ميزانها التقليدي ضد إيران.

رغم الأجواء الاحتفالية التي رافقت الإعلان عن الاتفاق، تبقى التساؤلات قائمة حول صموده ، فغياب الثقة التاريخية، والعداء العقائدي، وطبيعة المصالح المتضاربة، عوامل تجعل من الاتفاق هشًا ، أي حادث عرضي أو اختراق أمني قد يعيد المنطقة إلى نقطة الصفر.

مصر تابعت بترقب تطورات الصراع، ونجحت في البقاء على الحياد الذكي ومع توقيع الاتفاق، تظهر فرص لمصر في لعب دور جديد في تأمين الترتيبات الأمنية، وربما المشاركة في ضبط إيقاع التهدئة ، إلا أن التغيّرات المحتملة في موازين القوى، خصوصًا إذا نتج عن الاتفاق تطبيع غير مباشر بين طهران وتل أبيب، قد تضع القاهرة أمام تحديات استراتيجية جديدة.

 السؤال الاهم هل تتغير موازين القوى؟

بلا شك، الاتفاق يعيد ترتيب أوراق المنطقة ، إذا استمر، فقد نرى بداية لنظام إقليمي جديد، تتراجع فيه المواجهات المباشرة وتُفتح أبواب لاصطفافات مختلفة ، ستسعى إيران إلى توظيف الاتفاق لكسب شرعية دولية، بينما ستعمل إسرائيل على إعادة بناء قدراتها الردعية بعد الفشل في إسكات صواريخ طهران.

وأرى انه منذ البداية، بدت الحرب بين إيران وإسرائيل وكأنها مسرحية محسوبة الخطى، تتضمن استعراضًا للقوة، واختبارات للردع، ثم هبوطًا مدروسًا عند نقطة السلام ، الخاسر الحقيقي هو شعوب المنطقة، التي شاهدت الفصول الدامية دون أن يكون لها صوت في مشهد الختام.

الاتفاق خطوة مهمة، لكنه ليس سلامًا شاملاً ، بل هدنة مؤقتة مرهونة بميزان المصالح لا المبادئ وفي عالم السياسة، السلام لا يصمد إلا إذا اقتنع الجميع أن الحرب لم تعد خيارًا ، فهل اقتنعت إيران وإسرائيل بذلك فعلًا؟ أم أننا نشهد فقط فصلًا مؤقتًا قبل إعادة تشغيل العرض؟

في الشرق الأوسط، لا شيء دائم سوى التغيّر والسلام، كما الحرب، قد يكون أداة لتحقيق غايات سياسية مؤقتة. وما بين دهاء ترامب وطموحات طهران وحسابات تل أبيب، يبقى السؤال الأهم: هل نعيش بداية سلام حقيقي… أم نهاية جولة؟.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock