
فيفى سعيد محمود
كانت تقف وسط الضباب، لكنه لم يكن ضبابًا عاديًا، بل بخارًا كثيفًا يتصاعد من القدور الكبيرة، يملأ المطبخ برائحة الطعام الساخن.
يديها تتحركان بسرعة، تقطع الخبز إلى قطع صغيرة، ترمي بعضها في الحساء، وتحتفظ بالبقية لمن سيأتي بعد قليل.
العرق يتسلل إلى جبينها، لكنه ليس أكثر ما يثقلها.
بينما تنحني لتضع طبقًا ممتلئًا أمام سيدة مسنة، تسمع خلفها صوتًا خافتًا، لكنه يخترق مسامعها كالإبرة:
“هي ليه بتتصرف كأنها قائدة؟
هي فاكرة نفسها إيه؟”
ترتجف يدها للحظة، لكن السيدة العجوز تلتقط الملعقة وتأكل بشهية، فتتجاهل الكلمات وتعود إلى عملها.
مع انتهاء الطعام، لم يتبقَّ سوى بضع قطع خبز يابسة، أمسكت بواحدة، وكادت أن تضعها في الصندوق، حين شعرت بسحب خفيف من طرف جلبابها.
نظرت للأسفل، فوجدت طفلة صغيرة، عينها تتعلقان بالخبز وكأنهما تراهما لأول مرة.
لم تتحدث، فقط نظرت، ثم رفعت يدها ببطء، كأنها تستأذن قبل أن تأخذ.
مدت يدها، ووضعت قطعة الخبز في يد الطفلة، التي أمسكتها كما لو كانت كنزًا.
اقتربت من أمها التي كانت تقف على الباب بتردد، وهما تتقاسمان الخبز اليابس في صمت.
عندما التفتت، وجدت الهمسات نفسها مستمرة.
لم ينتهِ الكلام، كما لم ينتهِ الجوع.
اقتربت من الجدار، وكتبت عليه بخط واضح:
“في هذا المكان، الطعام ليس هو الشيء الوحيد الذي يُقسَّم.. بل الرحمة أيضًا.
فمن أراد أن يطعم جائعًا، فليقترب.. ومن أراد أن يتحدث، فليتحدث بعيدًا، لأن الجوع لا يسمع الثرثرة.”
التفتت، وجدت الطفلة تنظر إليها مجددًا، لكن هذه المرة، بابتسامة صغيرة.. وفتات خبز عالق في كفها الصغيرة.