مقالات وآراء

الإيجابية المُزيّفة وخطرها على النفس

جريدة الصوت

 

بقلم الكاتب – محمد الرفاعي

في زمنٍ تغمرنا فيه منشورات السعادة، والإبتسامات المصطنعة، والعبارات الوردية التي تُكرر بلا وعي:

“كن إيجابيًا دائمًا!”
“تجاهل الحزن!”
“إبتسم مهما حصل!”

بدأنا نخلط بين القوة والإنكار، وبين التفاؤل الحقيقي والإيجابية المزيّفة التي قد تبدو براقة، لكنها من الداخل… فارغة، مُنهكة، ومؤذية.

ما هي الإيجابية المزيّفة؟

هي تلك الحالة التي يُجبر فيها الإنسان نفسه على التظاهر بأنه بخير طوال الوقت، حتى وهو محطم من الداخل.
هي إنكار للمشاعر السلبية، وتجميل دائم للواقع، وهروب متقن من الحزن، وكأن الشعور بالضعف “عيب”، وكأن الانكسار “فشل”، وكأن الحزن “حرام”.

فتجده يبتسم وهو يتألم، يقول “أنا تمام” بينما رأسه ممتلئ بالأفكار المقلقة…
ينشر عبارات التفاؤل بينما لا يجد طمأنينة في قلبه، ولا راحة في ليله.

أين تكمن الخطورة؟

الإيجابية الزائفة لا تشفي الجروح… بل تُخدّرها مؤقتًا.
وتراكم الإنكار يجعل الألم أعمق، والقلق أقسى، والضغط النفسي أشد.

لأنك تكبت مشاعرك بدل أن تعبّر عنها.

وتخجل من دموعك بدل أن تسمح لها أن تُريحك.

وتخدع نفسك بأن كل شيء على ما يرام، بينما داخلك يصرخ.

النتيجة؟
انفجار مفاجئ…
نوبات قلق دون سبب واضح…
اكتئاب خلف قناع ضاحك…

ما الحل؟

كن إيجابيًا، نعم…
لكن بإدراك، لا بإنكار.

اسمح لنفسك أن تحزن، أن تنكسر، أن تتألم.

عبّر عن وجعك، لا تخف من قول “أنا لست بخير اليوم”.

تعلّم أن تكون صادقًا مع نفسك قبل أن تكون محبوبًا من الآخرين.

الإيجابية الحقيقية هي أن…

ترى الألم، لكنك لا تسمح له أن يكسرك.

تعترف بالمشكلة، لكنك تسعى لحلها.

تسقط، ثم تنهض… لا تُنكر السقوط، ولا تتظاهر بالقوة الزائفة.

في النهاية…

لسنا مضطرين أن نكون بخير دائمًا.
وليس علينا أن نبتسم دائمًا.
الإنسان الحقيقي لا يخجل من مشاعره… بل يفهمها، يحتضنها، ويخرج منها أقوى.

تذكّر دائمًا:
الإيجابية ليست في إنكار الألم… بل في قدرتك على تجاوزه بصدق.
ولا تخف من الحزن… فبعض الحزن طريقٌ إلى السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock