وحسن عاقبتكم أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن حادثة البرامكة في العصر العباسي،
ومن الثورات التي قامت في عهد الخليفة الرشيد هو ما ظهر من الوليد بن طريف الشاري الشيباني، وقد كان زعيم الخوارج في أيامه،
وكان شجاعا فتاكا يقيم بنصيبين والخابور، فخرج في خلافة الرشيد في حشد حاشد،
فأرسل إليه هارون يزيد بن مزيد الشيباني فظهر عليه يزيد وقتله،
وكان للوليد هذا أخت تسمى الفارعة تجيد الشعر، وتسلك سبل الخنساء في مراثيها لصخر،
وقد رثت أخاها الوليد في قصيدة من قصائدها بقولها،
فيا شجر الخابور ما لك مورقا كأنك لم تجزع لموت طريف فتى لا يحب الزاد إلا من التقى ولا المال.
إلا من قنا وسيوف، حليف الندى ما عاش يرضى به الندى فإن مات لا يرضى الندى بحليف، فقدناك فقدان الشباب وليتنا فديناك من فتياتنا بألوف، وما زال حتى أزهق الموت نفسه شجي لعدو أو ندي لضعيف، وقد تزعمت الفارعة حركة الثوار بعد مقتل أخيها، وتولت القيادة بنفسها، وإشتبكت مع جيش الرشيد في معركتين داميتين حتى نهرها أحد أقاربها فأمرها أن تلقي السلاح، وتعود إلى خدرها، وكانت وسيمة الطلعة، رشيقة القوام، أديبة ظريفة، تحفظ الشعر وتقوله، ومن النوع الخامس هو أن بلاد تلمسان بالمغرب أرادت أن تنفصل عن الدولة العباسية فثارت، وحمّلت الدولة مبالغ طائلة لإخضاعها، وكانت مصر تدفع نحو مائة ألف دينار سنويا من إيرادها الخاص لسد عجز حكومة أفريقيا، حتى تمكّن إبراهيم بن الأغلب من الإتفاق مع الرشيد على تهدئة الثورة.
وتحمّل المبلغ الذي تدفعه مصر، وتقديم أربعين ألف دينار سنويا إلى حكومة بغداد، ومن النوع السادس هو أن الرشيد كان يهتم أكبر إهتمام بالروم، خصوصا بعد أن أخلّوا سنة مائة وثمانون من الهجرة بشروط الهدنة التي كانت إيريني قد عقدتها مع المنصور، إذ أغاروا على البلاد الإسلامية فبعث إليهم الرشيد من هزمهم، وإستولى على مدينة لهم بقرب أنقرة، وعلى أنقرة نفسها، وأعاد إحتلال قبرص بعد أن خرجت من أيدي المسلمين وألزم الروم بدفع الجزية، وتبادل الأسرى، ولكن نقفور ملك الروم كتب إلى الرشيد فيما يرويه مؤرخو المسلمين رسالة غير مؤدبة يقول فيها من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثاله إليها.
ولكن ذلك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي، فاردد ما حصّل قبلك من أموالها، وإفتدي نفسك بما تقع به المصادرة لك وإلا فالسيف بيننا وبينك، فغضب الرشيد من هذا الكتاب غضبا شديدا، حتى لم يجرؤ أحد على النظر إليه من غضبه وكتب إليه كتابا غير مؤدب أيضا والبادي أظلم يقول فيه، بسم الله الرحمن الرحيم من هارون الرشيد إلى كلب الروم، قد قرأت كتابك والجواب ما تراه لا ما تسمعه، وقد بر الخليفة بإيعاده، وشخص بنفسه على رأس جيشه، حتى وصل إلى هرقلة إحدى البلاد البيزنطية فدارت بين الفريقين معركة حامية أسفرت عن هزيمة الروم هزيمة منكرة وقد تبين من هذه الحروب أن الفنون الحربية عند المسلمين كانت أرقى منها عند الروم، وتوسّل نقفور إلى الرشيد أن يقبل منه جزية أكثر من تلك التي قبلها من إيريني، فأجابه الخليفة إلى ذلك.