
بقلم – محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، أظهر الحق بالحق وأخزى الأحزاب، وأتم نوره، وجعل كيد الكافرين في تباب، أرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته وأجرى بفضله السحاب، وأنزل من السماء ماء، فمنه شجر، ومنه شراب، جعل الليل والنهار خلفة فتذكر أولو الألباب، نحمده تبارك وتعالى على المسببات والأسباب، ونعوذ بنور وجهه الكريم من المؤاخذة والعتاب، ونسأله السلامة من العذاب وسوء الحساب، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الوهاب، الملك فوق كل الملوك ورب الأرباب، الحكم العدل يوم يُكشف عن ساق وتوضع الأنساب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، خلق الناس من آدم وخلق آدم من تراب، خلق الموت والحياة ليبلونا وإليه المآب، فمن عمل صالحا فلنفسه، والله عنده حسن الثواب، ومن أساء فعليها، وما متاع الدنيا إلا سراب.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المستغفر التواب، المعصوم صلى الله عليه وسلم في الشيبة والشباب، خُلقه الكتاب ورأيه الصواب، وقوله فصل الخطاب، قدوة الأمم وقمة الهمم، ودرة المقربين والأحباب، عُرضت عليه الدنيا بكنوزها، فكان بلاغه منها كزاد الركاب، ركب البعير، ونام على الحصير، وخصف نعله ورتق الثياب، أضاء الدنيا بسنته، وأنقذ الأمة بشفاعته، وملأ للمؤمنين براحته من حوضه الأكواب، فاللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى الآل والأصحاب، ما هبت الرياح بالبشرى وجرى بالخير السحاب، وكلما نبت من الأرض زرع، أو أينع ثمر وطاب، أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن الأشهر الحرم، ولو أن الله لم ينسخ الشهر الحرام أو الأشهر الحرم وهاجمنا عدو لوجب ألا نبسط أيدينا ونسكت، لكن من رحمة الله وتدبيره وهو العليم الحكيم.
أن أذن لنا في الأشهر الحرم أن نقاتل من يقاتلنا، وكذا سائر الأشهر الحرم، فقد نسخ القتال فيها إذا قاتلنا العدو فيها، قال ومن المنسوخ هو هدي المشركين وقلائدهم، وقد كان المشركون يهدون إلى الله تعالي الإبل والغنم من شرق الجزيرة وغربها تقربا إلى الله وتزلفا، وقد يأخذ الرجل عشرين بعيرا هديا، وإذا خاف أن تنهبها منه القبائل من الطريق قلدها بقلادة خاصة، فإذا رآها العربي مقلدة يقول هذه لله، ولا يعترضها، سواء يأتي من تبوك، أو يأتي من نجد أو يأتي من أي جهة، فما دام أنها مقلدة فهي للحرم، وقد كانوا يعرفون الله تعالي، ولكنهم يشركون به، والهدي هو إذا أهدى الثور أو البقرة أو البعير يجرحه بسكين حادة حتى يسيل الدم ويلطخ ذروته وظهره بالدم ويمشي، فإذا شاهده عربي بسلاحه مر بقبيلته، ورآه مهديا يتركه لأنه لله، والآن لا نستطيع نحن أن نفعل هذا.
بل نأكله في الطريق، ونحن الآن ما نهدي بهذه الطريقة ولا نقلد، بل من أراد أن يهدي فليهدي بدون أن يجعل فيه دما ولا علامة، ولا قلادة في العنق، والمشركون أنفسهم حرم عليهم دخول المسجد الحرام، فكيف يبقى لهم قلائدهم التي كانوا يقلدون بها الإبل، ليهدوها إلى الحرم؟ والهدي، هو ما يهدونه إلى الحرم، والقلائد جمع قلادة، ما يعلقونه على البعير أو الشاة إيذانا، أي إعلاما بأنه مهدي إلى الحرم، فلا يتعرض له، وقد يعلق أحدهم لحاء من شجر الحرم فيحترم لذلك، ولا يتعرض له بسوء، فأنت إذا كنت ماشيا إلى الطائف وخائفا أن يستقبلك جماعة ويأخذوك فخذ لحاء أو قشرة من شجر الحرم وعلقها في ذراعك أو في رأسك ومر بهم، فيقولون هذا كان في الحرم، ولا يمسونك بسوء، وهذا تدبير الله عز وجل لأنهم يعيشون في فوضى، ولا رسول ولا نبوة ولا كتاب ولا شرع ولا قانون.
فهيأ لهم مولاهم وخالقهم وسيدهم العليم الحكيم فرصا كهذه ليعيشوا وكان هذا قبل الإسلام، أي قبل الدين الإسلامي ثم نسخ في الإسلام، وهذا عرف من قوله تعالى في الآية الكريمة في سورة المائدة ” يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ” وهذا هو بيان حرمة التعرض لقاصد البيت للعبادة والتقرب إلى الله تعالي للحصول على رضوانه، إلا أن يكون هذا القاصد كافرا أو مشركا فإنه لا يؤذن له بدخول الحرم، كما قال تعالى في الآية ” ولا آمين ” أي قاصدين البيت، فلا تصدونهم عن الحرم، إلا من كان كافرا أو مشركا، فقد نسخ الله دخول المشركين والكافرين.