
بقلم محمد الرفاعي
في عالم تُقاس فيه كفاءة الحكومات بقدرتها على التجاوب السريع مع المتغيرات، وتحقيق التنمية المستدامة، لم يعد كافيًا الإعتماد فقط على النُظم والتشريعات أو الخطط الورقية.
فالعنصر الحاسم في نجاح السياسات العامة وتحقيق الأهداف القومية هو: القيادات البشرية الفاعلة، وتحديدًا القيادات الناشئة داخل الجهاز الحكومي.
لماذا القيادات الناشئة في الحكومة؟
لأنهم يمثلون الجيل الجديد الذي سيتولى مستقبلاً قيادة مفاصل الدولة. فالإصلاح الإداري، والتحول الرقمي، والحوكمة الرشيدة، ومكافحة الفساد، وخدمة المواطن، كلها ملفات لن تنجح بوجود أنظمة فقط، بل بوجود كوادر قيادية واعية ومدرّبة ومؤمنة برسالة الدولة.
مكاسب الإستثمار في القيادات الحكومية الناشئة:
1. ضمان استمرارية الأداء المؤسسي بكفاءة
الكفاءات الشابة المدربة تسد الفجوات المستقبلية الناتجة عن التقاعد أو الإنتقال، وتحمي مؤسسات الدولة من الإنهيار الإداري.
2. تعزيز ثقافة الإصلاح والتطوير من الداخل
القادة الجدد غالبًا ما يكونون أكثر تقبّلًا للتغيير، وأقل مقاومة للتحديث، مما يسهم في تجديد الدماء الإدارية.
3. تسريع التحول الرقمي والحوكمة
الفئات الشابة أكثر دراية بالتكنولوجيا، وبالتالي أكثر قدرة على قيادة مشاريع التحول الرقمي وتطبيق مفهوم الحكومة الذكية.
4. تعزيز الثقة بين المواطن والحكومة
القائد الحكومي الواعي بأسس خدمة المواطن، والمتفاعل بفعالية وشفافية، يمثل واجهة مشرّفة للدولة ويعيد جسور الثقة بين الحكومة والشعب.
آليات الإستثمار فيهم:
إطلاق برامج قومية لتأهيل القادة الحكوميين
مثل الأكاديميات الوطنية للإدارة، أو مراكز تطوير القيادات، التي تركز على إعداد القيادات بمهارات التفكير الاستراتيجي، وإدارة الأزمات، وصناعة القرار.
التوجيه (Mentoring) والتدرّج الوظيفي الذكي
ربط الموظفين أصحاب الإمكانيات بقيادات حكومية مخضرمة لنقل الخبرة وتهيئتهم للمناصب القيادية.
منح الفرص والمناصب التجريبية
إتاحة فرص حقيقية لتولي مسؤوليات محددة، أو قيادة مشروعات داخل الوزارات والمحليات، ما يمنحهم الثقة والنضج الإداري.
تحفيز الابتكار في الإدارة الحكومية
من خلال مسابقات ومبادرات لتقديم حلول إدارية جديدة، ومنح مساحة لصوت الشباب داخل الهيكل الرسمي للدولة.
المعدات والأنظمة لا تصنع دولة… الأفراد هم من يصنعون الفرق
قد تمتلك الدولة أحدث برامج ميكنة، وأنظمة ذكاء صناعي، ومبانٍ حديثة، لكن دون قادة حقيقيين — يؤمنون بالكفاءة والنزاهة والخدمة العامة — لن تحدث نقلة حقيقية. فالمورد البشري هو الإستثمار الأذكى، وهو الضمانة لإستدامة أي مشروع وطني.
في النهاية
بناء الدولة الحديثة لا يكون فقط بتشييد الكباري والمباني، بل ببناء العقول والقيادات داخل مؤسساتها.
والقيادات الحكومية الناشئة ليست فقط أمل المستقبل، بل هي أساس الحاضر إذا أُحسن إعدادها وتمكينها.
الإستثمار فيهم اليوم هو حماية لمسار الإصلاح، وضمان لإستمرار الدولة بقوة وكفاءة وشفافية.