كتب محمد الرفاعي
لم تعد التغيرات المناخية مجرد أحاديث عن ذوبان الجليد في القطبين أو ارتفاع منسوب البحار. في مصر، أصبحت هذه التحولات البيئية واقعًا يوميًا يهدد صحة المواطنين بشكل مباشر، وباتت تحديًا يتطلب وعيًا وجهودًا جماعية عاجلة.
مع كل صيف، نشهد موجات حر أشد وأطول، تتجاوز مجرد “صيف حار” لتصبح خطرًا حقيقيًا. هذه الموجات لا تسبب فقط الإرهاق، بل تعرض الكثيرين لـالإجهاد الحراري وضربات الشمس، وتؤثر بشكل خاص على الفئات الأكثر ضعفًا. تخيل كبار السن، الأطفال، مرضى الأمراض المزمنة، أو حتى العمال الذين يضطرون للعمل لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة؛ كل هؤلاء يواجهون مخاطر صحية متزايدة بسبب ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق.
لكن التهديد لا يتوقف عند الحرارة. التغيرات المناخية تسهم أيضًا في زيادة العواصف الترابية والرملية التي أصبحت أكثر تكرارًا وشدة. هذه العواصف ليست مجرد إزعاج بصري، بل تحمل معها جسيمات دقيقة تؤثر سلبًا على الجهاز التنفسي، وتزيد من حالات الربو والحساسية ومشاكل الجهاز التنفسي الأخرى، مما يجعل كل نفس تحديًا لمرضى الجهاز التنفسي والأشخاص الأصحاء على حد سواء.
الأمر يتجاوز الآثار المباشرة للهواء والحرارة. فالتغيرات المناخية تهدد أيضًا الأمن الغذائي والمائي في مصر. نقص المياه أو تلوث مصادرها، وتأثر المحاصيل الزراعية، يمكن أن يؤدي إلى نقص في الغذاء أو ارتفاع أسعاره، بالإضافة إلى زيادة انتشار بعض الأمراض المنقولة عبر المياه. هذه التحديات تُلقي بظلالها على قدرة الأفراد على الحصول على غذاء صحي ومياه نظيفة، وهما أساسان للصحة الجيدة.
إن مواجهة هذه التحديات تتطلب وعيًا فرديًا ومسؤولية جماعية. على المستوى الفردي، يجب على كل منا أن يتعلم كيفية حماية نفسه وأسرته من تأثيرات الحرارة المرتفعة وتلوث الهواء. أما على المستوى المجتمعي والحكومي، فالأمر يستلزم وضع استراتيجيات فعالة للتكيف مع هذه التغيرات، وتطبيق حلول مستدامة تخفف من آثارها على البيئة والصحة العامة.
إن حماية صحة المصريين في ظل هذه التغيرات المناخية ليست رفاهية، بل هي ضرورة ملحة تتطلب تضافر الجهود والعمل المشترك لمواجهة هذا التحدي المتنامي. المستقبل يبدأ اليوم بخطواتنا نحو بيئة صحية ومستدامة.
