مقالات وآراء

الكتب القديمة لا تموت

شيماء حسين/العراق
حين نمسك كتابًا قديمًا، تتسلل إلى أناملنا رائحة الزمن، ونكاد نسمع صرير الأيام التي مرّت بين صفحاته. البعض يظن أن الكتب القديمة مجرد أرشيف مهمل أو حبر جاف لا يروي شيئًا في عصر التكنولوجيا، لكنها في الحقيقة أكثر من ذلك بكثير.
إنها مرايا صافية، حين نُحدق فيها بصدق، نرى أنفسنا، ونسبر أغوار هويتنا وأعماقنا الإنسانية انه لا يحكي فقط عن زمنه، بل يفضح حاضرنا حين نقرأ أفكارًا دوّنها فلاسفة، أو مواقفَ خطّها أدباءُ، أو شِعرًا نَظمه عُشاقٌ من قرون مضت، ندرك أننا لم نبتعد كثيرًا عن جوهر الإنسان.
تتبدل الأزياء، وتتطور المدن، لكنّ الشك، والحب، والخوف، والحيرة، والرغبة في الخلود، تبقى كما هي، كما لو أن البشر كتبوا عن أنفسهم مرة واحدة فقط، وراحوا يعيدون الصياغة جيلاً بعد جيل و تخبرنا أن الحكمة ليست حكرًا على زمننا، وأن التقدم لا يُقاس فقط بما تصنعه الآلات، بل بما تنتجه الأرواح من فهم عميق للوجود.
من خلال هذه الكتب نكتشف كيف كان الإنسان يحاور الكون، كيف كان يُحب ويخسر، كيف كان يؤمن ويشكّ، ويبحث عن الله في حروفٍ، أو في صمتٍ بين السطور.
ولعلّ أجمل ما في الكتب القديمة أنها تشهد على صبر الإنسان على المعرفة. لم تُكتب على عجل، ولم تُستهلك بسرعة. كانت تُقرأ بتأنٍ، وتُنقل بخط اليد، وتُحفظ في القلوب قبل الرفوف.
كانت تحمل تقديسًا للمعرفة، لا مجرد استهلاك لها. من يقرأ كتابًا قديمًا، لا يقرأ كلمات فقط، بل يلمس تعب الذين خطّوه، وسهروا لحفظه، وأخفوه أحيانًا عن نيران الجهل والرقابةنحن لا نقرأ الكتب القديمة لنعيش في الماضي، بل لنفهم الحاضر بعيون أكثر عمقًا واتزانًا.
كل صفحة قديمة نفتحها، تُضيء زاوية في ذاكرتنا الجماعية، وتوقظ فينا سؤالًا نحتاج أن نطرحه على أنفسنا اليوم من نحن، وإلى أين نمضي؟
إنّ الكتب القديمة، في حقيقتها، ليست مجرد أوراق صفراء أو كلمات من زمن آخر. إنها نحن… في لحظة صدق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock