
يارا المصري
في مشهدٍ يبدو فيه الضحية هو الوحيد الذي يدفع الثمن، لا تختلف كثيرًا سياسة المتنفذين في غزة عن تلك التي تمارسها حكومة الاحتلال الإسرائيلي في تل أبيب. كلا الطرفين يدير الأزمة لا لحلّها، بل لإطالة أمدها، حتى لو كان الثمن هو معاناة المدنيين، سواء كانوا في غزة تحت الحصار أو في إسرائيل بين عائلات الجنود والمستوطنين.
منذ الأيام الأولى للحرب، ظهر جليًا أن الحكومة الإسرائيلية لا تضع على رأس أولوياتها إعادة الأسرى لدى حماس، ولا حتى استعادة جثث الجنود. العائلات الإسرائيلية التي تعيش على أمل خبر عن أبنائها، تخرج اليوم بمظاهرات صاخبة، تتهم الحكومة بالخيانة، بل وتصفها بأنها تتاجر بالملف كما تفعل حماس تمامًا.
في 14 يوليو 2024، قالت ليئا غولدين، والدة الجندي المفقود هدار غولدين:
“نتنياهو لا يهتم بأبنائنا، هو فقط يستخدمهم كورقة ضغط للظهور السياسي. بينما نحن نجوع في الخيام أمام الكنيست.”
نفس الشعور عبّرت عنه زوجات جنود آخرين، مؤكدات أن الحكومة تمارس سياسة تجويع نفسي ومجتمعي لهن، وتمنع أي خطوات جدية قد تؤدي إلى التبادل، خشية أن تُحسب على أنها “تنازل لحماس”.
وبالمقابل، تقف قيادة حماس في قطر بنفس السياسة، لكن في الاتجاه المعاكس. فهي ترفض أي تنازلات يمكن أن تُفضي إلى هدنة أو إدخال مساعدات أو وقف القصف، ما لم تحقّق شروطها السياسية الكاملة. وبينما تفاوض من فنادق خمس نجوم، يموت الناس في غزة من الجوع الفعلي، لا المجازي.
لكن الفرق أن حكومة الاحتلال تستخدم جوع العائلات للضغط داخليًا، وحماس تستخدم جوع الغزيين للضغط دوليًا. وفي الحالتين، تُمارَس الخيانة السياسية بمظهر المقاومة أو الأمن القومي.
خليل الحية ونتنياهو وجهان لعملة واحدة.
فإن خليل الحية ورفاقه في قيادة حماس الخارجية يمارسون فصلًا واضحًا بين حياتهم المرفهة وحياة شعبهم. نفس الفاصل يوجد بين نتنياهو وزمرته في الحكومة الإسرائيلية الذين يتناولون وجباتهم الفاخرة، بينما تنام الأمهات الإسرائيليات على أرصفة تل أبيب، في انتظار خبر عن أولادهن.
من غزة إلى تل أبيب، تقف “القيادات” على خشبة المسرح، تتبادل الخطابات والتصريحات، فيما ينهار المدنيون تحت خشبة المسرح نفسها، بلا طعام ولا أمان ولا صوت.
تجويع الناس ليس سياسة حرب فقط، بل أداة بيد من يريد السيطرة على المشهد. سواء كنتَ في خيمة احتجاج في تل أبيب أو في خيمة لجوء في رفح، فالنتيجة واحدة: قادة لا يرونك، بل يرونك ورقة على طاولة التفاوض.