
المستشار أسعد الهفل
عندما نرى ما تقوم به إسرائيل في كلٍّ من سوريا ولبنان من استباحةٍ بشكل يومي لسيادتهما، وحرب الإبادة التي ترتكبها بحق الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية عموماً وفي غزة خصوصاً، يتبادر إلى الأذهان السؤال القديم الجديد: هل هناك سايكس بيكو جديد ينتظر المنطقة (بلاد الشام)؟ إذ لا يمكن الفصل بين حرب الإبادة الجارية في غزة وما يجري في سوريا ولبنان، ولاسيما ما يتردد في وسائل الإعلام الصهيوني مؤخراً، بكلّ وقاحةٍ، من مشاريع تقسيم في سوريا، لتبرز أسئلة أكثر أهمية: هل هناك إمكانية لنتجنّب هذه المشاريع؟ وهل هناك مصلحة لأيّ مكونٍ في سوريا في التماهي مع هذا التقسيم؟
إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة تبيّن لنا مدى قدرة إسرائيل على تنفيذ مشروعها القديم الجديد، فالكلّ يعلم أن مشكلة إسرائيل هي أنها دولة لا تنتمي إلى محيطها الديمغرافي، وأن العقبة الرئيسة أمام تنفيذها أيّ مشروعٍ توسعيّ أنّها لا تملك القوة البشرية لتحقيقه؛ لذا نراها تحاول إثارة الفتنة بين الشعوب المحيطة بها، وقد نجحت إلى حدٍّ ما في ذلك، فالانتصارات التي حققتها في حروبها السابقة في الحقيقة راجعةٌ إلى الصراعات الطائفية والإثنية بين شعوب المنطقة، وليس بسبب تفوقها العسكري، فقد ثبت في حرب غزة عجزها عن تحقيق أيّ انتصار بالرغم من الدعم الغربي غير المحدود وعلى رأسه أمريكا، وبالرغم من ارتكابها أبشع الجرائم في التاريخ البشري. أما بالنسبة إلى مكونات الشعب السوري بإثنياته ومذاهبه وطوائفه كافةً فإنّه ليس هناك مصلحة لأيٍّ منها في المضيّ في مشاريع التقسيم التي تسوّقها وسائل الإعلام الصهيونية، فإسرائيل في النهاية لا يهمّها سوى مصلحتها التي تقوم على الهيمنة على شعوب المنطقة، علاوة على أنّها أصبحت منبوذة في العالم، ولم يعد في مقدورها الترويج لسياستها الكاذبة بسبب هول وبشاعة الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها بحق الفلسطينيين، ومن ثَمَّ إنّ من غير الممكن أن تنجح إسرائيل في تمرير سايكس بيكو جديد في سوريا أو في غيرها لعجزها عن حماية نفسها من جهة، ولعدم وجود رضا وقبول لتلك الفكرة لدى السوريين من جهة ثانية، ما يعني أنّ هذه المشاريع وُلِدت ميتة أصلاً. وإذا علت بعض الأصوات النشاز هنا وهناك فإنّ ذلك يبقى في النهاية محدوداً للغاية لا يمكن أن يعبّر عن إرادة مكونات الشعب السوري كافةً؛ الشعب الذي لا تخدمه مثل هذه الادعاءات الصهيونية، لأنه ثبت تاريخياً أن ليس أمام السوريين سوى المضيّ قدماً في بناء دولتهم الجديدة على العدل والمساواة.