في حفل من التصريحات التي لا تعرف الخجل، خرج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بتصريح يبدو في ظاهره “زلة لسان”، لكنه في الحقيقة “صفعة وعي” لمن لا يزال يظن أن المصالح تُدار بخيط من الحرير الدبلوماسي.
قالها بلسانه الذي لم يعرف التجميل يومًا:
“لولا السعودية لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة… هل تريدون إسرائيل أن تنتهي؟!”
هكذا، وبلا مقدمات، أصبح وجود دولة الاحتلال مرهونًا بكرم المملكة!
ولم يكتفِ ترمب بذلك، بل أكمل الحكاية قائلاً:
“ما كانت لدينا قاعدة عسكرية كبيرة في الشرق الأوسط من دون السعودية، وهي تنفق أموالاً طائلة لصالح إسرائيل!”
هنيئًا لنا إذًا بهذه المكاشفة الصريحة…
لم يعد هناك حاجة لاجتماعات مغلقة ولا لمصافحات خلف الستار. اللعبة باتت واضحة:
العرب يدفعون، أميركا تُخطط، وإسرائيل تحصد… ومن يعترض؟ يوصف بـ”الرجعية” أو يُتهم بـ”العداء للسلام”.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه – ولا يجد من يطرحه! – هو:
من الذي أدخل إسرائيل في “الورطة الكبرى” أصلًا؟
من الذي احتل، ودمّر، وشرّد، وبنى على أنقاض فلسطين “دولة بالبلدوزر”؟
ثم تأتي التصريحات لتمنح الجاني وسادة ناعمة، وتُحمّل الضحية عبء مشاعرها.
ترمب لا يكذب. هذه هي المأساة.
الرجل يقول الحقيقة، لكنها الحقيقة التي تُخجلنا نحن، لا هو.
والدبلوماسية الأميركية، منذ زمن، تُتقن اللعب على أوتار “الدفع مقابل الحماية”،
وما الضير إن كانت الحماية هذه المرة لـ”إسرائيل” على حساب العرب أنفسهم؟!
المشكلة ليست في ترمب، فالرجل يُجيد البيع والشراء،
ويعتبر الشرق الأوسط “مولًا استراتيجيًّا مفتوحًا على مدار الساعة”.
المشكلة في من يقف على الرصيف، يُصفّق بحرارة وهو لا يدري أنه يُصفّق على دفن وعيه بيديه.
إذا كانت إسرائيل تحتاج إلى “سترة نجاة عربية” كي لا تغرق،
فالسؤال لكل ذي عقل وضمير:
من الذي يغرق حقًا؟ إسرائيل أم كرامتنا؟
وإذا كان ترمب قد أفصح عن السر، فهل نمتلك نحن الجرأة
لنفتح أعيننا ونُواجهه لا بالصمت… بل بالأسئلة التي يخشاها؟
ربما لا نملك كثيرًا من السلاح، لكننا نملك الكلمة، والوعي، والأمل…
وهذا وحده بداية السلام العادل، لا “السلام المدفوع مسبقًا.