مقالات وآراء

تأثير التكنولوجيا بين التواصل الفعلي والانفصال العاطفي

جريدة الصوت

 

بقلم: طارق فتحى السعدنى

شهدت العقود الأخيرة تطورا هائلا في مجال التكنولوجيا التي غيّرت معظم جوانب الحياة ، وخاصة في تفاعلات بين الاشخاص.
وتبدل الحال من التواصل الاجتماعي المباشر بالزيارات والمقابلات إلى تطبيقات المراسلة الفورية، وباتت التكنولوجيا جزءًا أساسيًا من علاقاتنا الاجتماعية. والسؤال الذى يطرح نفسه ،
هل أصبحت هذه التكنولوجيا مصدرا لتحسين الروابط الإنسانية، أم أنها تسببت في انفصال عاطفي بين الأفراد؟

من المؤكد أن التكنولوجيا قد وفرت طرقًا غير مسبوقة للتواصل بين الأشخاص من مختلف أنحاء العالم. مثل الرسائل النصية، المكالمات الصوتية والفيديو، والتطبيقات الاجتماعية فيسبوك وتويتر،
كلها جعلت التواصل أسهل وأسرع من أي وقت مضى. ومع ذلك، فإن هذا التواصل الافتراضي لا يعوض التفاعل الفعلي، الذي يعتمد على تعبيرات الوجه، نبرة الصوت، والمشاركة الجسدية، مما يجعل العلاقات أعمق وأكثر أصالة.

لكنها فى ذات الوقت أدت إلى تحولات كبيرة. ففي الماضي كانت الاجتماعات العائلية فرصة لتبادل الأحاديث والتفاعل المباشر بين الأفراد.
أما اليوم، فقد أصبح العديد من أفراد الأسرة يعكفون على شاشات هواتفهم أو أجهزة الكمبيوتر، حتى أثناء وجودهم في نفس المكان. ونرى ان هذا التغيير في الأنماط الاجتماعية أدى إلى تقليل وقت التواصل الفعلي وزاد من فرص الشعور بالانعزال داخل البيئة العائلية.

على الرغم من ذلك، نجد ان التكنولوجيا قد قدمت فوائد في تمكين الأفراد من الحفاظ على علاقاتهم، خاصة في العائلات التي تعيش في أماكن بعيدة عن بعضها البعض. فبفضل التطبيقات التي تتيح التواصل عبر الفيديو، يمكن للأطفال التواصل مع والديهم أو أجدادهم في أي وقت، مما يعزز الروابط العائلية رغم بعد المسافات.

وأصبح في المجتمع الحديث العديد من الأفراد يعتمدون بشكل رئيسي على وسائل التواصل الاجتماعي لإقامة علاقات جديدة أو الحفاظ على علاقاتهم القديمة. لكن هذه الوسائل قد تخلق “وهم التواصل” حيث يشعر الفرد أنه مرتبط بالأشخاص بمن حوله، لكنه في نفس الوقت لا يختبر العلاقة على أرض الواقع.
ونرى ان التصريحات العابرة عبر التعليقات أو الرسائل قد تكون سطحية ولا تحمل نفس القوة العاطفية التي يمكن أن تكتسبها العلاقة من خلال التفاعل المباشر.

وقد يرى البعض أن هذا النوع من التواصل قد يكون ضارا عندما يعتمد الأفراد عليه بشكل مفرط،

فقد يؤدي إلى شعور بالإحباط أو العزلة في الحياة الحقيقية.
علاوة على ذلك، ينتج عن هذا التأثير المستمر للتكنولوجيا في تعميق مشاعر القلق والاكتئاب، خصوصا لدى الشباب الذين يعانون من مشاكل في التعبير عن مشاعرهم أو بناء روابط قوية خارج العالم الرقمي.

كيف يمكننا تحقيق توازن بين العالم الرقمي والإنساني؟

لذلك لابد فى ظل هذه التحديات، البحث عن طرق لتحقيق توازن بين التفاعل عبر التكنولوجيا والعلاقات الواقعية.
أولًا، يجب على الأفراد أن يكونوا واعين لضرورة تخصيص وقت للتفاعل الشخصي مع العائلة والأصدقاء، بعيدا عن الأجهزة الرقمية.
ثانيًا، من المهم أن ندرك أن التكنولوجيا لا يجب أن تكون بديلا عن التفاعلات الإنسانية الحقيقية، بل يجب استخدامها كأداة لتعزيز هذه العلاقات.

وفى الختام رغم تقديم التكنولوجيا وسائل رائعة للتواصل وتسهيل الحياة الاجتماعية،
فإننا بحاجة إلى أن نكون حذرين من تأثيراتها السلبية على العلاقات الإنسانية. ،
وفى ظل كل ذلك يمكننا الحفاظ على الروابط العاطفية العميقة والحفاظ على التفاعل البشري الحقيقي الذي يجعل الحياة أكثر تواصلا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock