دين ومجتمع

شكر نعمة الماء 

جريدة الصوت

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله وكفى، وما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى خاتم الأنبياء والمرسلين وشفيعنا يوم الدين، وعلى آله وصحبه وسلم، ثم أما بعد إن نعمة الماء هو هبة الخالق العظيم تفضل بها على عباده، فهذا الماء المبارك لا تستغني عنه جميع الكائنات، فلا غذاء إلا بالماء، ولا نظافة إلا بالماء، ولا دواء ولا زراعة ولا صناعة إلا بالماء، فهو الثروة الثمينة، فالبلاد التي بلا ماء تهجر، ولا تسكن، وإن من الناس من تعوّدوا علي وجود النعمة وألفوها، فهم تحت تأثير هذا الإلف وهذه العادة قد ينسون قدرها لأنها دائما حاضرة بين أيديهم، فينسون شكرها، ونعمة الماء لو فقدت ولو لزمن يسير، حينها يعلم العبد عظيم فضل الله عليه، وأن فقدها جسيم، حيث قال الله تعالى ” قل أريتم إن أصبح ماءكم غورا فمن يأتيكم بماء معين “

وكذلك عذوبة الماء نعمة فلو كان ملحا أجاجا، فمن يستسيغه وينتفع به، فهي نعمة تستوجب شكر الله وحمده، ونعمة الماء من النعيم الذي يسأل عنه العبد يوم القيامة، حيث قال تعالى ” ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ” ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حفيا بنعم الله يعظمها ويشكرها، فكان إذا أكل أو شرب قال ” الحمد لله الذي أطعم وسقي وسوغه وجعل له مخرجا ” رواه أبو داود، ولقد ورد ذكر الماء في القرآن الكريم في تسع وخمسين آية، من المياه النازلة ومن السماء أو الخارجة من الأرض أو المختزنة فيها، حيث قال الله تعالى ” ألم تري أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ” وهذا يدل على أهمية نعمة المياه وعظيم قدرها، فلولا نعمة الماء لما كان في هذه الحياة إنسان، وما عاش حيوان، وما نبت زرع أو اخضر شجر، فمنه تشرب ومنه يخرج المرعى.

وبه تكسى الأرض بساطا أخضر، وتكون للناظر أحلى وأجمل، وإن شكر نعمة الماء لا يقتصر على الشكر باللسان، بل يتعداه إلى الشكر بالإقتصاد والترشيد في إستعماله، فالإسراف تصرف سيء وسلوك غير حميد، نهى عنه القرآن المجيد، فقال تعالي ” وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ” وما أجمل هذه الصورة النبيلة الرحيمة لذي النورين الصحابي الجليل عثمان رضي الله عنه الذي يسعى إلى الجنة عن طريق التراحم والتكافل وسقاية الناس كلهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يشتري بئر رومة يوسع بها على المسلمين وله الجنة ؟ قال فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه من يهودي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وسبلها للمسلمين، وكان اليهودي يبيع ماءها، وفي الحديث أن عثمان رضي الله عنه اشترى منه نصفها باثني عشر ألفا.

ثم قال لليهودي اختر إما أن تأخذها يوما وآخذها يوما وإما أن تنصب لك عليها دلوا وأنصب عليها دلوا، فإختار يوما ويوما، فكان الناس يستقون منها في يوم عثمان لليومين، فقال اليهودي أفسدت عليّ بئري فاشتري باقيها، فاشتراه بثمانية آلاف، فتخيلوا يا عباد الله أنه لا يوجد بئر ولا ماء للمسلمين غير هذه، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه قادرا على إحتكارها وحده ولكنه مثال للتراحم والتكافل، وتخيلوا لو أن هذه البئر في أيدي أحد المحتكرين الجشعين وحده في هذا الزمان ماذا كان يفعل بالمسلمين ؟ ولا يقتصر أجر وثواب سقي الماء على الناس فحسب، بل إحسانك إلى البهائم وري ظمأهم كذلك يكون سببا في غفران ذنوبك ودخولك الجنة، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ” كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد “

والمد هو ملء اليدين المتوسطتين، وإذا كان الإقتصاد في إستعمال الماء في العبادة مطلوبا فالإقتصاد في غير العبادة أولى وأحرى، والإسلام دين رقي وحضارة ينأى بمصادر المياه عن كل ما يكدر صفاءها، ويلوث نقاءها، فنهى عن البول في الماء، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام ” لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ” رواه البخاري ومسلم، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم ” أنه نهي أن يبال في الماء الراكد ” رواه مسلم، ولأن في ذلك تنجيسا للماء وإيذاء لمستعمليه، فكل سلوك ينتج عنه تلوث المياه أو إهدارها هو إيذاء وضرر منهي عنه في الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock