الحمد لله رب العالمين الذي أنزل شريعة الإسلام هدى للناس ورحمة للعالمين، وجعلها لنا صراطا مستقيما يهدي بنا إلى سعادة الدارين، والشكر له أن هدانا إلى الإسلام، وفضلنا على العالمين أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله إمام الخاشعين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبون الطاهرون، الحافظين لحدودك يا ربنا والخاشعين لك، أما بعد لنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم أسوة حسنة، فلو أخذنا مثالا واحدا من سيرته العطرة في إستعمال الماء لكان كافيا، ودالا دلالة واضحة على حسن إستعماله، فقد روى الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه “أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد” والصاع هو أربعة أمداد، والمد هو ملء الكفين معا.
وهو ما يساوي ثلثي اللتر الواحد، ومن هذا الحديث وغيره إستفاد العلماء أن تقليل الماء في الغسل والوضوء من مندوباتهما وتكره الزيادة ولو كان المتوضئ على ضفة النهر، لما روى الإمام أحمد وابن ماجه، أن النبي صلي الله عليه وسلم مر بسعد، وهو يتوضأ، فقال ما هذا السرف؟ فقال أفي الوضوء إسراف؟ قال صلي الله عليه وسلم “نعم، وإن كنت على نهر جار” وروي الإمام النسائي، أن أعرابيا جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا، ثم قال “هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا، فقد أساء وتعدى وظلم” فسمى النبي صلي الله عليه وسلم الزيادة على الثلاث إساءة وتعديا وظلما، وإذا كان تقليل الماء مطلوبا في الوضوء والغسل، وهما عبادتان عظيمتان، تستباح بهما الصلاة والطواف وغيرهما، فماذا يمكن أن يقال في الأمور الأخرى.
كالإستحمام غير الضروري، وغسل المحال، والأرصفة، والطرقات، والسيارات، وما شاكل ذلك بخراطيم ورشاشات المياه، وترك صنبور الماء مفتوحا أثناء غسل الأسنان، والحلاقة وغيرها مما تضيع معه كميات كبيرة من الماء، مع شدة الحاجة إليه، ونذرته خصوصا في هذه الظروف والتقلبات المناخية، فكل هذه التصرفات على ضوء حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم من أشد الظلم والإعتداء، فيا عباد الله إن الحديث عن حسن استعمال الماء هو حديث يهم حفظ الحياة التي تعد من كليات الدين العظمى التي جاءت الشريعة لحفظها، فهو قوامها، كما قال تعالى ” وجعلنا من الماء كل شيء حي” وما نداء ولي أمرنا لنا، وحثه على حسن ترشيد استعمال الماء، إلا تأكيد على هذا المقصد الرباني الرامي إلى حفظ الحياة، فيا معاشر المؤمنين.
إن من الواجب على كل واحد منا أن يعتبر نفسه معنيا بمقتضيات هذه الدعوة، مطالبا بهذه الاستجابة في سلوكه، وكل التدابير التي ستتخذها السلطات المعنية للحفاظ على نعمة الماء، إذ لا يجوز بأي حال أن يستهين أي واحد منا بما يمكن أن يقوم به لتحقيق هذه المصلحة، كما ينبغي على كل واحد منا أن يسأل نفسه بأي شيء يمكن أن يسهم في حسن تدبير إستعمال الماء، بدءا بمحاسبة نفسه على ما إعتادته من سلوك غير مقبول في إستعمال هذه المادة الحيوية، وكما علينا أن نولي هذا الأمر ما يستحقه من العناية والإهتمام في كل وقت وحين، مستحضرين واجب الدعاء والإستغفار والإنابة، عسى ربنا أن يقبل توبتنا ويجيب دعاءنا كما استجبنا لدعوته لنا لما يحيينا، وهو إحياء يشمل إصلاح الفرد والمجتمع، ألا فلنتق الله عباد الله، ولنقتصد في إستعمال الماء ما إستطعنا.
حتى نوفر على أنفسنا وعلى غيرنا ما يسد الحاجة، مع ما في هذا السلوك من إتباع لسنة نبينا المصطفي صلي الله عليه وسلم في تعظيم هذه النعمة وعدم الإستهانة بها، بارك الله لي ولكم في القرآن المبين، وفي حديث سيد الأولين والآخرين، وغفر لي ولكم، ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.