مقالات وآراء

المنصب لا يدوم… ولكن الأثر لا يُنسى

جريدة الصوت

 

بقلم – محمد الرفاعي

في زحام الحياة، وعلى مقاعد السلطة، يتغيّر الوجوه وتتبدّل المناصب، ويظن البعض أن الكرسي ملكية خاصة، وأن النفوذ باقٍ ما بقي اللقب. لكن الحقيقة الأبدية تقول: المنصب لا يدوم لأحد… وما يبقى في النهاية هو السيرة، والموقف، والأثر.

أيها المسؤول، أيا من تبوأتَ منصبًا يومًا ما، تذكّر جيدًا:
ليس المنصب هو الذي يمنحك الاحترام، بل أخلاقك، وليس الكرسي هو ما يُكسبك الهيبة، بل طريقة تعاملك مع من هم دونك في السلطة. فالحياة لا تقاس بطول البقاء على العرش، بل بعمق الأثر الذي تتركه في قلوب الناس.

قد يحيط بك المادحون، وتتسابق حولك الإبتسامات المرسومة، وتنهال عبارات الولاء والثناء…
لكن لا تنخدع، فالمناصب تجذب الكثير من الأقنعة،
وأنت وحدك مَن سيقف أمام المرآة حين تسقط الأضواء،
وحين يُنادى لغيرك بلقب كنتَ تظنه لا يفارقك.

حين تُغادر منصبك – طوعًا أو بقرار، بسن التقاعد أو بتقلب الأحوال – ستُطوى صفحات المجد الإداري بسرعة، وسيتحول اسمك من لافتة على المكتب إلى مجرد ذكرى في ملفات الأرشيف.
لكن الناس… لن ينسوك.
إما أن يذكروك بخير، أو يتحاشوا حتى ذكر اسمك.
إما أن يدعوا لك بظهر الغيب، أو يتنفسوا الصعداء برحيلك.
والفرق بين الحالتين: “موقف” صنعته في يوم ما.

هل كنت ذلك القائد الذي أنصف موظفيه؟
هل كنت إنسانًا قبل أن تكون مسؤولًا؟
هل استمعت لصوت الضعيف، وفتحت بابك للمظلوم، وقلت كلمة حق أمام نفوذ جائر؟
هل خفت الله حين غابت عنك أعين البشر؟

اجعل من نفسك نموذجًا يُحتذى، لا منصبًا يُنسى.
ازرع الاحترام في القلوب لا الهيبة في العيون.
دَع من حولك يهابونك محبة لا خوفًا،
ويخافون زعلك تقديرًا لا رهبة.

فالمناصب لا تصنع الرجال، بل تكشفهم.
والكرسي لا يُغيّر المعدن، بل يُظهره.

كن ذلك القائد الذي يُقال عنه: “لم يكن عاديًا.”
كن ممن إذا ذُكر اسمه قال الناس: “كان رجلًا عادلًا، نقيًا، راقيًا.”
دع الزمن يسلب منك المنصب، لكنه أبدًا لا يستطيع أن يسلب منك السمعة الطيبة، والذكر الحسن، والأثر الباقي.

في النهاية…
ليس المهم إلى متى جلست على الكرسي،
بل ماذا صنعت به، ومن خدمته، وكم نفسًا طيّبتها، وكم قلبًا أنصفته.

المنصب زائل، لكن الكلمة الطيبة لا تزول.
الكرسي متحرّك، أما الاحترام فثابت.
والناس تنسى كل شيء، إلا “الإحسان”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock