
كتبت -هناء الصغير
الميراث في الإسلام ليس هبة ولا منحة من أحد، بل هو حق إلهي حدده الله في كتابه الكريم بدقة، حتى أن آيات المواريث من أطول الآيات وأوضحها في القرآن، وجاء التحذير الشديد لمن يتعدى على هذا الحق:
“تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات ،ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها” .
ومع وضوح هذا الحكم، نجد في واقعنا قصصًا مؤلمة عن إخوة يحرمون أخواتهم من الميراث، إما بحجة العرف أو بدعوى أن الأرض أو العقار يجب أن يبقى في يد الرجال ، أو بعدم ترك العقار نهائيا ووضع عقبات أمام إخوته البنات حتى لا يباع ولا يستطيعون الاستفادة من حقهم أو بالاستعطاف وتزييف الحقائق والافتراء بأنهم ليس لهم أي حقوق.
هذا السلوك ليس مجرد ظلم فردي، بل هو إثم عظيم يقطع صلة الرحم ويفسد العلاقات الأسرية.
وقد يؤدي أحيانًا إلى جرائم تعرف بجرائم المواريث تصبح بين الاخوات ثم الاحفاد ويستمر مسلسل الثأر والكره للأخوال أو الاعمام ، كما تشير الإحصائيات إلى أن نزاعات الميراث تسببت في آلاف القضايا الجنائية في السنوات الأخيرة.
الواجب على كل مسلم أن يتقي الله، وأن يتذكر أن الميراث أمانة سيسأل عنها يوم القيامة، وأن حرمان المرأة من حقها هو اعتداء على شرع الله قبل أن يكون اعتداءً على شخصها.
وشاهدنا حالات كثيرة بالمدن والريف على الأخص ، أن تتحكم الأعراف القبلية والعائلية في توزيع الميراث أكثر مما يتحكم الشرع أو القانون.
يقولون: “البنت لا ترث ف أرض والدها .. الأرض للرجال”، فيضغط الأخ على أخته للتنازل عن حقها، أو يعرض عليها مبلغًا زهيدًا مقابل نصيبها، أو يحرمها تمامًا بدعوى الحفاظ على “سمعة العائلة”.
هذه الممارسات تخلق عدوانية متجددة ومستمرة بين الأجيال يعقبها جرائم وتربص .
أما القانون المصري – مثلًا – وضع عقوبات على من يحرم الورثة من حقوقهم، تصل إلى الحبس والغرامة ودفع مبالغ كبيرة تعويضية ، لكن المشكلة أن كثيرًا من النساء لا يلجأن للقضاء خوفًا من القطيعة أو الفضيحة، أو لعدم وعيهن بحقوقهن.
الحل يبدأ بالتوعية، وبأن تتكاتف مؤسسات المجتمع والدعوة والإعلام لفضح هذه الممارسات، وتوضيح أنها ليست من الشهامة أو الرجولة، بل من الظلم والعدوان.
المؤلم أن هذا الظلم لا يمحو فقط الحق المالي، بل يمحو المودة والرحمة التي أمر الله بها بين الإخوة، فيتحول الحب إلى خصومة، والرحم إلى قطيعة.
المجتمع لن يتقدم إلا إذا احترم حدوده الشرعية والقانونية، وأعاد لكل ذي حق حقه، وأيقن أن الظلم وإن طال، فإن دعوة المظلوم مستجابة