صحف وتقارير

زيارة وزير خارجية إيران لمصر: بوادر تحول استراتيجي أم رسالة موجهة؟

جريدة الصوت

بقلم احمد شتيه

 باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى 

في لحظة إقليمية بالغة التعقيد، تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عرافجي إلى القاهرة

لتفتح أبواب التساؤلات حول دوافعها وتداعياتها المحتملة ،

فالزيارة، الأولى من نوعها بهذا المستوى منذ سنوات، لا يمكن فصلها عن سياقات إقليمية مشتعلة ومصالح استراتيجية

متشابكة بين القاهرة وطهران، ولا عن حسابات القوى الكبرى التي تتابع كل تقارب عربي إيراني بعين الريبة والترقب.

الزيارة جاءت في ظل استمرار التوترات في البحر الأحمر،

وتحديداً بعد سلسلة من الهجمات التي استهدفت سفن شحن عبر مضيق باب المندب،

وسط صراع مستمر في اليمن بين الحوثيين المدعومين من إيران والتحالف العربي بقيادة السعودية.

 كما تتزامن مع تصاعد التوتر بين إسرائيل ومحور المقاومة المدعوم

من طهران، وعودة النقاش الدولي حول البرنامج النووي الإيراني.

كل هذه التطورات تضع مصر، ذات الدور المحوري في العالم العربي، أمام تحديات أمنية واقتصادية تتطلب إعادة تموضع دبلوماسي، قد يكون هذا التقارب مع طهران أحد تجلياته.

رغم التباعد الذي ساد العلاقات بين القاهرة وطهران منذ الثورة الإيرانية عام 1979، شهدت السنوات الأخيرة محاولات خجولة لإذابة الجليد ، إلا أن زيارة عبد اللهيان قد تكون أول مؤشر جاد على نية البلدين إعادة رسم العلاقة، أو على الأقل اختبار إمكانية التنسيق في ملفات إقليمية مشتركة.

أولاً، موجهة إلى القوى الإقليمية (خصوصاً دول الخليج وإسرائيل) مفادها أن مصر منفتحة على الحوار مع جميع الأطراف، بما فيهم الخصوم التقليديون، طالما يخدم ذلك مصالحها القومية.

وثانياً، موجهة إلى واشنطن والعواصم الغربية بأن القاهرة لا تزال قادرة على لعب دور الوسيط المستقل، وغير المقيد بمحاور ثابتة.

إيران، التي تطل على الخليج العربي وبحر عمان، تدرك أهمية قناة السويس كممر تجاري حيوي، خاصة مع تعاظم أهمية الطريق البحري عبر البحر الأحمر في ظل اضطراب طرق التجارة العالمية ، التعاون أو التنسيق مع مصر في تأمين الملاحة قد يبعث برسالة طمأنة للأسواق، وفي ذات الوقت يشير إلى رغبة إيران في لعب دور مسؤول في حفظ استقرار هذا الممر الحيوي.

الزيارة لا تخلُ من رسائل موجهة إلى أطراف خارجية، أبرزها:للسعودية ، مفادها أن إيران لا تزال منفتحة على توسيع دائرة التهدئة الإقليمية، وقد تكون مصر قناة موثوقة للتفاهمات الثنائية.

لإسرائيل: تأكيد على أن طهران لا تعاني عزلة تامة، وأن لديها أوراق سياسية قادرة على اختراق الحصار السياسي.

للولايات المتحدة: أن القاهرة ليست تابعة بالكامل لأي محور، وقادرة على إدارة توازنات دقيقة، خصوصاً في لحظة الانكفاء الأميركي عن الشرق الأوسط.

يبقى السؤال الأهم: هل الزيارة مؤشر على تحوّل استراتيجي في العلاقة بين البلدين؟

الإجابة لا تزال مرهونة بالتطورات على الأرض. لكن ما هو مؤكد أن هذه الزيارة تمثل بداية جديدة، أو على الأقل فتح نافذة جديدة بين بلدين كبيرين في الإقليم.

الكرة الآن في ملعب العاصمتين ، فهل ينجح الطرفان في تحويل هذه اللحظة الدبلوماسية إلى مسار مستقر من التعاون، أم أنها ستكون مجرد محطة رمزية عابرة في قطار العلاقات المتقلبة بين القاهرة وطهران؟

ختاماً، لا يمكن النظر إلى زيارة وزير خارجية إيران لمصر بمعزل عن تطورات المنطقة ومصالح القوى الكبرى ، إنها لحظة دبلوماسية تستحق الرصد والتحليل، لما تحمله من إمكانيات وفرص، وأيضاً من تحديات قد تعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية في السنوات المقبلة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock