شهدت العاصمة العراقية بغداد مؤخرًا انعقاد القمة العربية الاستثنائية التي جاءت في وقت حرج تمر به المنطقة العربية، وسط تحديات أمنية وسياسية واقتصادية متزايدة.
وقد مثلت القمة نقطة تحول مهمة في مسار العمل العربي المشترك، حيث تميزت بوضوح الرؤية، وحدة الخطاب، وعودة العراق إلى واجهة التأثير الإقليمي، بدعم ومساندة من القوى الكبرى في العالم العربي، وعلى رأسها مصر.
أبرز ما خرجت به قمة بغداد هو التأكيد على وحدة الصف العربي في مواجهة التدخلات الخارجية والنزاعات الداخلية التي تهدد استقرار الدول العربية، لا سيما في فلسطين، السودان، وليبيا ، كما دعت القمة إلى استئناف عملية السلام في الشرق الأوسط على أساس حل الدولتين، ودعم الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حقوقه المشروعة.
وقد تطرقت القمة أيضًا إلى قضايا الأمن المائي، وخاصة التوترات المتعلقة بسد النهضة، وكذلك أهمية تأمين الملاحة البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر، مما يعكس وعياً متزايداً بتشابك الملفات الأمنية والاقتصادية.
برز الدور المصري بقوة خلال القمة، حيث جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي بمثابة خارطة طريق لمستقبل عربي أكثر تماسكًا و أكد السيسي على أهمية العمل الجماعي في مواجهة الأزمات، ودعا إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية كركيزة أساسية للاستقرار.
كما شدد على ضرورة إنهاء التدخلات الأجنبية في الشؤون العربية، لافتًا إلى أن مصر لن تتخلى عن دورها في دعم الأشقاء العرب، سواء في السودان أو فلسطين أو ليبيا وأكد السيسي أن الأمن القومي العربي كلٌ لا يتجزأ، داعيًا إلى تفعيل آليات الدفاع العربي المشترك وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول.
لقيت نتائج القمة ترحيبًا واسعًا من عدد من العواصم العربية، حيث أثنت السعودية والإمارات والجزائر على مخرجات القمة، خاصة فيما يتعلق بالوحدة العربية ودعم القضية الفلسطينية، كما أبدت الجامعة العربية ارتياحها للتوافق العربي الذي تجسد في البيان الختامي.
دوليًا، كانت هناك ردود فعل إيجابية من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إذ رحب الأمين العام أنطونيو غوتيريش بمبادرات القمة لتعزيز السلام والاستقرار، واعتبرها خطوة إيجابية تعكس نضوج القرار العربي المستقل.
حظيت القمة بتغطية إعلامية واسعة، خاصة من وسائل الإعلام العربية الكبرى مثل “الجزيرة”، “العربية”، و”سكاي نيوز عربية”، التي ركزت على الخطاب الموحد في مواجهة الانقسامات، وعلى الدور المحوري الذي لعبته مصر في تقريب وجهات النظر.
أما الإعلام الدولي، فقد أبرز عودة العراق للعب دور سياسي فاعل في محيطه العربي، وأشاد بحالة الانفتاح العربي على بغداد، معتبرًا القمة مؤشرًا على مرحلة جديدة من التوازنات الإقليمية.
رغم أن القمم العربية غالبًا ما تُتهم بإصدار بيانات دون تنفيذ فعلي، إلا أن قمة بغداد بدت مختلفة في نبرتها ومضمونها ، فهناك إشارات حقيقية إلى توافق عربي متجدد، واستعداد أكبر للتفاعل مع الأزمات من منطلق المسؤولية الجماعية.
يبقى التحدي الأكبر هو ترجمة التوصيات إلى سياسات فعالة، وهنا يأتي الدور المصري مجددًا كـ”قاطرة” يمكنها الدفع بالتحركات العربية نحو تحقيق استراتيجيات واقعية لحفظ الأمن وتحقيق التنمية والاستقرار في المنطقة.