الإدارة فن، مش “عن عن”: لماذا لا يكفي إصدار الأوامر؟
كثيرًا ما نسمع مقولة “الإدارة فن وليست عن عن”،
وهذه العبارة البسيطة تلخص جوهر العمل الإداري الناجح.
فالإدارة ليست مجرد إصدار الأوامر والتوجيهات بصوت عالٍ أو بأسلوب جاف ومُسيطر. إنها تتجاوز ذلك بكثير لتصبح مزيجًا معقدًا من المهارات والقدرات التي تعتمد على الفهم العميق للناس، والرؤية الإستراتيجية، والمرونة في التعامل مع التحديات.
الإدارة الفعالة ليست عن فرض السلطة، بل عن بناء الثقة والتحفيز. المدير الناجح هو من يستطيع إلهام فريقه وتحفيزه لتحقيق الأهداف، لا من يرهبهم بالصوب. القدرة على التواصل بوضوح، والإستماع الفعال، وفهم إحتياجات وقدرات كل فرد في الفريق،
هي مهارات أساسية لا يمكن استبدالها بالصوت العالي أو الكلمات الجافة. المدير الذي يمارس “عن عن” غالبًا ما يخلق بيئة عمل يسودها الخوف والجمود، حيث يخشى الموظفون الإبداع أو حتى طرح الأفكار، مما يقضي على الإبتكار ويحد من الإنتاجية.
الجانب “الفني” في الإدارة يظهر جليًا في القدرة على حل المشكلات وإتخاذ القرارات الصعبة. في عالم الأعمال المتغير باستمرار، لا توجد قواعد جامدة تناسب كل المواقف. يتطلب الأمر رؤية ثاقبة لتحليل الأوضاع، ومرونة للتكيف مع المستجدات، وقدرة على التفكير خارج الصندوق لإيجاد حلول مبتكرة. هذا الفن يرتكز على الخبرة والمعرفة، ولكنه يعتمد أيضًا على الحدس والقدرة على قراءة ما بين السطور، وهي مهارات لا تُكتسب بمجرد حفظ القواعد الإدارية.
كذلك، تُعد القدرة على بناء العلاقات الإنسانية جزءًا لا يتجزأ من فن الإدارة. المدير الذي يفهم دوافع موظفيه، ويقدر جهودهم، ويدعمهم في تطوير مهاراتهم، يخلق ولاءً وانتماءً يدفعهم لتقديم أفضل ما لديهم. هذه العلاقات لا تُبنى بالإجبار، بل بالاحترام المتبادل والتقدير والاهتمام الحقيقي بالآخرين.
في النهاية، الإدارة ليست مجرد مجموعة من القوانين والإجراءات التي تُطبق بصرامة، بل هي ممارسة ديناميكية تتطلب إبداعًا وذكاءً اجتماعيًا. المدير الذي يدرك أن القيادة فن يتطلب صقلًا مستمرًا للمهارات الشخصية والمهنية، هو من سيستطيع قيادة فريقه نحو النجاح الحقيقي والمستدام، بعيدًا عن أسلوب “عن عن” الذي عفا عليه الزمن.