الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الخلائق والبشر، الشفيع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى أصحابه ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، ثم أما بعد إن الإقلاع عن الذنوب والمعاصي والتوبة والإنابة إلى الله تعالي مع الإستغفار واللجوء إلى الله رب العالمين بالدعاء في خشوع وتضرع وإنكسار وإضطرار من أسباب نزول الغيث من السماء والإمداد بالأموال والبنين وجريان الأنهار والبركة في ذلك، فقد جاء رجل إلى الحسن البصري فقال له إن السماء لم تمطر، فقال له الحسن البصري إستغفر الله، ثم جاء رجل آخر فقال له أشكوا الفقر، فقال له الحسن البصري إستغفر الله، ثم جاء ثالث فقال له امرأتي عاقر لا تلد.
فقال له الحسن البصري إستغفر الله، ثم جاء رابع فقال له أجدبت الأرض فلم تنبت، فقال له الحسن البصري إستغفر الله، فقال الحاضرون للحسن البصري عجبنا لك أو كلما جاءك شاك قلت له استغفر الله؟ فقال لهم الحسن البصري ما قلت شيء من عندي وقرأ قوله تعالى ” فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ” فعليكم بدوام الإستغفار والرجوع إلى الله تعالى والعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى يصب علينا الخير صبا، وإنه ينبغي على كل إنسان أن يسعى جاهدا في عمل سبيل سقي الماء بأي وسيلة من الوسائل المختلفة فهذا من البر والصدقات الجارية التي تلحق المرء بعد وفاته، فتبريد الأكباد، وإطفاء حرارة الظمآن من أعظم الأبواب التي تقود إلى الجنان.
ومن أسباب تكفير الآثام، وهو باب عظيم لإذهاب الأسقام، وبه تكون الصدقة جارية عن النفس والوالدين والوالدان، فإذا كان الله تعالي غفر لهذا الرجل وتلك المرأة البغي من أجل سقي الكلب فما بالكم بمن حرص على سقي أبناء آدم ؟ ولا شك أن الله يغفر له جميع ذنوبه مهما بلغت لذلك قال بعض التابعين “من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء” ومن فضائل سقي الماء أيضا أن يسقيه الله من الرحيق المختوم في الجنة، فيا أيها الراغب في البر والأجر، وبذل المعروف والخير سابق إلى الصدقات الجارية، عن الآباء والأمهات، والبنين والبنات، والأنفس والذوات، واعلم أن من أعظم الصدقات سقي الماء وإجراؤه، فهو من أفضل الأعمال، ومن فوائد سقي الماء أيضا أنه سبب لعلاج الأمراض، وشفاء الأسقام بإذنه سبحانه وتعالي، فيقول ابن شقيق سمعت ابن المبارك.
وسأله رجل عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع بما أعطوه، فقال له ابن المبارك اذهب فاحفر بئرا في مكان يحتاج الناس فيه إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ بإذن الله ” رواه البيهقي، فقد كان سقي الماء من هذا الرجل سببا لشفائه بعد إذن الله سبحانه وتعالى، فاحرصوا أيها المسلمون على حفر الآبار في الأماكن التي يحتاج إليها الناس، وهذا أمر ميسور، فيطيق الإنسان أن يحفر له بئر بثمن بخس في بلد فقير معوز تجري عليه بركته وبره، فعن جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” من حفر ماء لم يشرب منه كبد حري من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة ” رواه البخاري، وكل هذه المعاني تجعل الأمة في حب وتعاون وتكافل وأمن وسلام.