دين ومجتمع

إحترام الآراء والمواقف

جريدة الصوت

بقلم – محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد لقد حثنا الإسلام علي حب الوطن والإنتماء إلي الوطن والدفاع عن الوطن، وإن تسلسل الإنتماء يبدأ واسعا بسعة الوطن ثم يتضائل حتى يعود على الشخص نفسه، فالأهم هو مصالح الوطن، ثم يتلخص الوطن في العشيرة أو الأسرة ثم تتلخص مصلحة العشيرة والأسرة في جماعة الرئيس ثم تتلخص مصالح هؤلاء أيضا في الرئيس نفسه فتصبح المعادلة هكذا، فالوطن يساوي الرئيس والرئيس يساوي الوطن وليذهب المواطنون إلى ما يريده الحاكم، وإلا فإلى الجحيم، ومن الواضح أن هذا النوع من السياسة من شأنه أن يحطم روح الإنتماء وحب الآخرين.

بما يفكك الأواصر ويجعل الأفراد مصلحيين أكثر من كونهم مبدأيين، فالشعور بالإنتماء أمر جوهري في تفجير الإبداع وإنمائه ما دام في خدمة المؤسسة والمؤسسة في خدمة الحق والعدالة وأما إذا انقلب إلى تعصّب وتحزب وأنانية فهو عامل هدم لا بناء، وإنه ينبغي وجود العقلية العلمية في التعامل مع الأزمات، وقد يصح أن نقول أن زمن الأعمال الفردية والجهود الشخصية قد ولى وإنصرم، وقد أصبح اليوم مهمة الجماعة، والتنظيم المشترك أقوى من أي مهمة أخرى في الإدارة الأحسن والأبقى والتنظيم المشترك الذي يقوم على الجهود المتكاملة لكافة الأفراد والعاملين على إختلاف مستوياتهم وتطلعاتهم، وهذه نقطة جوهرية ينبغي الإلتفات إليها في تحديد مقومات الإبداع إذ يجب إعتماد الطرق العلمية الصحيحة للوصول إلى الأهداف بجدارة.

وهذا لا يتم إلا عبر التنسيق والتكامل بين مختلف الأفراد، وأيضا الإنفتاح على الرأي الآخر، فإنه لابد للإبتكار والإبداع من أجواء حرة يسودها إحترام الآراء والمواقف وإن كانت تخالفنا، والحنكة والخلاقية تتجلى في سلوكنا أكثر إذا تمكنا من ترويضها وإقناعها على التعاون والتنسيق، فالحوار هو الذي يوصل إلى الأفضل والمفيد، ومن هنا فإن المؤسسات الإبداعية والمدراء الخلاقون هم الذين يزيدون من فرص التفاهم ويعملون على تشجيع الأفراد إلى تطوير أفكارهم وإبداع إقتراحاتهم لتحسين ظروف العمل وفتح المجالات الأوسع للمزيد من البذل والعطاء، أما المؤسسات المنغلقة على نفسها أو المدراء الذين لا يجدون للآخرين موقعا بينهم ولا يحترمون آراء الآخرين فإنهم يحكمون على أعمالهم بالفشل وعلى أنفسهم بالتراجع شيئا فشيئا.

ومن الواضح أن الإنفتاح على الآخرين وإحترام آرائهم أمر ليس من السهل قبوله أو الإعتراف به لأنه يتوقف على الإيمان بمواهب الآخرين وقدراتهم، وهذا هو الآخر أمر صعب ما لم يؤمن أصحاب القرار بواقعية وإنصاف بهذه الحقيقة، ولقد أصبح اليوم العمل الجماعي هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الإنتصارات الكبرى على أي صعيد ومعترك فإذا لا نؤمن بذلك بمنطقية فإن الواقع والتجربة والنتائج هي الحكم الفيصل الذي سيضطرنا إلى القبول بها أخيرا وحينئذ فإما نقبلها بسعة صدر أو تتجاوزنا المرحلة لتجد بدائل أفضل، باعتبار أن الإدارة الخلاقة هي الجهد الجماعي المتكامل فلا يمكن للإبداع والإبتكار أن يظهر ويأخذ دوره في مجالات العمل إلا بتشجيع الجميع لتقديم أقصى ما عندهم من جهود وإمكانات في تحقيق الأهداف.

ولكي يتحقق ذلك فإنه يجب على الإدارة أن تولي الإهتمام الأكثر لتشجيع روح الفريق بكل ما فيه من تماسك معنوي وتعاضد في الجهود وتكامل في النشاطات وهذا يتطلب منا حقا الإيمان بحق الآخرين في الرأي والإنفتاح على الرأي الآخر والإعتراف بالحقيقة القائلة إن الكفاءات والطاقات مواهب إلهية وزعها ربنا تبارك وتعالى على الجميع فكل فرد منا لا يخلو من موهبة أو أكثر يتفوق فيها على غيره فإذا إستغنينا عنها أو لم نشجعها نكون قد ظلمناه وبخسناه حقه كما نكون قد حرمنا المؤسسة والعمل من فرص أكثر للنجاح فضلا عن حرمان الآخرين، وإذا جمعنا مجموع المواهب كم ستكون المحصلة في الحرمان والتراجع؟ وعلى عكس ذلك إذا جمعنا هذه المواهب المتفرقة في فريق واحد فإنه سيشكل قدرة أكبر وتكاملية أقوى على الأداء والإنجاز الناجح الخلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock