
متابعة / محمد نجم الدين وهبي
تضاءلت اليوم الإثنين آمال العثور على مفقودين داخل زنازين قذرة بسجن صيدنايا في سوريا، حيث واصلت أسر دون جدوى البحث عن ذويها المحتجزين منذ فترة طويلة بعد أن فتح مقاتلو المعارضة أبواب السجن، بحسب وكالة رويترز.
وبعد الإطاحة بالرئيس السوري أمس الأحد، خرج آلاف ممن كانوا قابعين في السجن في ظل منظومة اعتقال قاسية انتهجها بشار الأسد، وفي بعض الحالات برفقة أقاربهم الذين كانوا يعتقدون أنهم أُعدموا قبل سنوات.
لكن عدداً لا يحصى من الأسر لا تزال تبحث في الممرات المظلمة والزنازين السرية داخل المجمع الذي يشبه المتاهة، بحثاً عن أثر لأحبائهم الذين اعتُقلوا بسبب احتجاج أو تحدٍ للسلطات أو مجرد التعبير عن السخط.
الآلاف ما زالوا مسجونين
جاء أحمد النجار إلى دمشق قادماً من حلب على أمل العثور على ابني أخيه القُصر اللذين اعتقلتهما قوات الأمن التابعة للأسد في عام 2012.
وقال إنه لا يزال يبحث عنهما، وإن أناسا أخبروه بوجود سجن تحت الأرض.
وانتشرت شائعات أمس الأحد مفادها أن آلافاً آخرين من السجناء ما زالوا مسجونين في زنازين تحت الأرض لا يمكن الوصول إليها.
ونشرت منظمة الخوذ البيضاء، التي ظلت لسنوات تحفر بين المباني المنهارة بعد الضربات الجوية، فريقاً من أفراد الإنقاذ.
وقال أحد رجال الإنقاذ: «كان بحوزتهم خريطة حصلوا عليها من ضابط منشق عن الجيش السوري. هدموا أحد الجدران ولم يعثروا على شيء… هدموا جداراً آخر ليجدوا وراءه باباً».
لكن بحلول بعد ظهر اليوم الاثنين، لم يكن هناك أي مؤشر على وجود المزيد من السجناء.
وخارج السجن، جلست انتصار الجابر في انتظار أنباء عن ذويها. كان شقيقها البالغ من العمر 45 عاماً وقريب آخر لها مسجونين في صيدنايا، لكنها لم تُسمح لها برؤيتهما منذ 2014.
وقالت: «من 2014 كانت آخر زيارة… قالولي متوفي لهون (ما) عاد تيجين. أخوكي إرهابي واتوفى. أنا كنت أزوره هون». لكنها استمرت في الانتظار متمسكة بالأمل.
وعند مسجد على الطريق المؤدي إلى السجن، كان الناس يسجلون الأسماء وأرقام الهواتف في حالة العثور على أقارب مسجونين.
وقالت إحدى النساء إنها رأت ابنها في لقطة مصورة للسجناء المفرج عنهم أمس الأحد.
عمليات إعدام جماعية
تحدثت جماعات حقوقية عن عمليات إعدام جماعية في السجون السورية، وقالت الولايات المتحدة في 2017 إنها رصدت وجود محرقة جديدة في صيدنايا للسجناء الذين أُعدموا. ووثقت عمليات تعذيب على نطاق واسع.
وظهرت مقاطع مصورة لبعض السجناء حليقي الرؤوس وفي حالة هزال حادة جعلتهم بالكاد قادرين على ذكر أسمائهم أو أسماء بلداتهم. ولم يتسن لرويترز التحقق من تلك المقاطع، لكن تحرير السجناء على نطاق واسع ليس محل خلاف.
وداخل زنزانات الحبس الانفرادي، غطت المياه والطين الأرضيات الخرسانية التي عُثر بكل منها على وعاء معدني واحد للطعام يتناثر البراز من حوله.
وفتش بعض من دخلوا إلى سجن صيدنايا في أوراق مهملة وسألوا نزلاء سابقين عما إذا كانوا يعرفون مسارات تؤدي إلى طوابق أخرى داخل السجن، بينما كان آخرون يهدمون جدراناً أو يحفرون في الأرض بحثاً عن زنازين سرية.
وكشف هدم عدد من الجدران عن مداخل سرية، ليطلق بعدها مسلحو المعارضة السورية النار في الهواء لتنبيه آلاف المنتظرين بالخارج.
ملف «المسلخ البشري»
وكان حشد من الناس يندفع في كل مرة بعد إطلاق النار نحو بوابة السجن. وصرخت امرأة منادية على ابنها على أمل خروجه، بينما كان لسان أخرى يلهج بالدعاء في انتظار آخر.
وقال رجل يدعى مازن إن الشرطة السورية اعتقلت 10 من أقاربه، من بينهم عمه وصهره وإخوته وأبناء عمومته.
وأضاف: «معنا مقطع فيديو هون لباب سري. عطيته لعمال الإنقاذ. بيحاولوا الحفر لكن لم يصلوا لشيء بعد».
وقال فضل عبد الغني، الذي يرأس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن حقيقة فتح أبواب السجن ببساطة جعلت من الصعب تعقب السجناء، كما أن المجرمين الحقيقيين أُطلق سراحهم إلى جانب السجناء السياسيين.
وأضاف أن على المعارضة إدارة هذا الملف أيضاً مثلما تحاول إدارة أمور أخرى حتى تكون الأمور تحت السيطرة.
وعلى أبواب السجن، اصطف طابور طويل من السيارات انتظاراً للدخول، بينما جاء آخرون سيراً على الأقدام وقطعوا سياج الأسلاك الشائكة للانضمام إلى الحشود التي تبحث في الداخل.
أحد هؤلاء، ويدعى رضوان عيد، أطلق على سجن صيدنايا اسم «مقصب» للبشر. وأضاف أنه يجب محاسبة من أراقوا الدماء داخل هذا السجن.
يشار إلى أن سجن صيدنايا هو أحد أكثر السجون العسكرية تحصيناً في عهد نظام حافظ الأسد ومن بعده نجله بشار الأسد، وأطلق عليه لقب «السجن الأحمر» أو «المسلخ البشري» في إشارة لعمليات القتل والتعذيب الدموية التي يقول حقوقيون إنه شهدها.