صحف وتقارير

السوشيال ميديا والرأي العام بين الحقيقة والشائعة: واقعة الطفلة ريتال نموذجًا

جريدة الصوت

بقلم احمد شتيه 

باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى

في عصر السرعة والمعلومة الفورية، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي سلاحًا ذا حدين فمن جهة ،

هي وسيلة فعّالة لنقل الأخبار ومشاركة الآراء، ومن جهة أخرى،

قد تتحول إلى منصة لترويج الشائعات وتشويه الحقائق،

مما يؤدي إلى توجيه الرأي العام في اتجاهات قد تكون بعيدة عن الحقيقة.

واقعة الطفلة “ريتال” التي سقطت من الطابق الخامس في محافظة دمياط،

تمثل مثالًا حيًّا على ذلك ، فقد اجتاحت القصة مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة مذهلة،

وتصدرت “الترند” خلال ساعات قليلة من وقوع الحادث وبالرغم من أن الواقعة في حد ذاتها مأساوية

وتستحق التعاطف والاهتمام، فإن ما حدث بعد ذلك يكشف مدى خطورة

السوشيال ميديا في تشكيل الرأي العام على أسس غير دقيقة.

في البداية، انتشرت معلومات متضاربة حول ملابسات الحادث، وتداول البعض روايات غير مؤكدة عن وجود شبهة جنائية أو إهمال من الأسرة، أو القاء الطفلة بنفسها ،

دون الاستناد إلى أي تحقيق رسمي أو مصدر موثوق وبمجرد أن تبنّى بعض المؤثرين على “فيسبوك” و”تيك توك”

تلك الروايات، بدأ الجمهور يتفاعل معها ويعيد نشرها،

مما خلق حالة من الغضب الشعبي تجاه مواقع إلكترونية أو أفراد قد لا تكون لهم علاقة حقيقية بالحادث.

ما حدث يؤكد أن السوشيال ميديا لا تكتفي بنقل الخبر، بل تصنعه أحيانًا، وتوجّه المشاعر العامة بحسب الزاوية التي يتم تسليط الضوء عليها ، فبدلًا من انتظار نتائج التحقيق الرسمي، حوّل المستخدمون الحادث إلى “قضية رأي عام”، وبدأت الحملات الإلكترونية تتصاعد، مطالبة بمحاسبة أطراف معينة بناءً على شائعات.

هذا التفاعل السريع والمندفع يُظهر كيف يمكن أن تتحول المعلومة غير الدقيقة إلى قناعة راسخة لدى الجمهور، لا سيما عندما تصاحبها صور مؤثرة أو فيديوهات مشحونة بالعاطفة. كما أن تأثير “الهاشتاغ” و”الترند” يزيد من انتشار الروايات المغلوطة، ويضع ضغطًا على المؤسسات الرسمية للتعامل مع قضية لم تكتمل ملامحها بعد.

من هنا، تظهر الحاجة الماسة إلى تعزيز الوعي الرقمي لدى مستخدمي الإنترنت، وخاصة في ما يتعلق بضرورة التحقق من المعلومات قبل مشاركتها، والتمييز بين الخبر المؤكد والشائعة. كما يتعين على الإعلام التقليدي أن يلعب دورًا أكثر فاعلية في توضيح الحقائق والرد على المعلومات المغلوطة في الوقت المناسب.

في النهاية، تبقى السوشيال ميديا أداة قوية ومؤثرة، ولكن استخدامها بشكل غير مسؤول يمكن أن يحوّل المآسي إلى ساحات للتجريح والاتهام غير القائم على الدليل وواقعة الطفلة ريتال تذكّرنا بأن خلف كل قصة متداولة هناك بشر قد يتضررون من الكلمة أكثر مما تفعله أي حادثة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock