صحف وتقارير

مصر وتركيا تفتحان بوابة جديدة لتعاون دفاعي مشترك

جريدة الصوت

بقلم احمد شتيه 

باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى 

في خطوة تعكس تحولاً دبلوماسياً واستراتيجياً بارزاً،

زار الفريق أحمد خليفة، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية،

العاصمة التركية أنقرة في إطار جولةٍ هدفت إلى تعزيز التعاون العسكري والصناعات الدفاعية بين البلدين.

 

هذه الزيارة، التي تأتي بعد سنوات من التوتر في العلاقات الثنائية،

تُعتبر إشارة قوية على انفتاح جديد في سياسات القاهرة وأنقرة،

خصوصاً في مجال يُعدّ حساساً للغاية: الصناعة الدفاعية.

شهدت العلاقات المصرية التركية تقلبات حادة خلال العقد الماضي،

خاصة في أعقاب الربيع العربي والمواقف المتضاربة تجاه قضايا إقليمية مثل الأزمة الليبية

والنزاع حول حقوق الطاقة في شرق المتوسط ،

إلا أن العامين الماضيين شهدا تحسناً ملحوظاً، بدءاً باستئناف العلاقات الدبلوماسية في ٢٠٢١، وتبادل الزيارات الرسمية، وصولاً إلى اتفاقيات اقتصادية وسياحية، اليوم، تُضاف الصناعات الدفاعية إلى قائمة الملفات التي تسعى الدولتان إلى توطينها ضمن مصالحهما المشتركة.

ركزت المباحثات بين الجانبين على تعزيز التعاون في مجالات التصنيع العسكري المشترك، ونقل التكنولوجيا، وتطوير أنظمة دفاعية متطورة، بما في ذلك الطائرات المسيرة (الدرونز)، وأنظمة الدفاع الجوي، والتكنولوجيا البحرية.

ومن المرجح أن تشمل المشاريع المُحتملة إنتاج معدات عسكرية مشتركة، وتبادل الخبرات في مجال التصنيع، والاستثمار في مراكز الأبحاث والتطوير، وهو ما قد يُعزز القدرات العسكرية لكلا البلدين.

وخلال اللقاء، أكد الفريق خليفة على أن “مصر تُقدّر الجهود التركية في تطوير صناعاتها الدفاعية، وترى فيها شريكاً استراتيجياً يمكن أن يساهم في تحقيق أمن مستدام للمنطقة”.

 من جانبه، أشاد الجانب التركي بالدور المصري الإقليمي، معرباً عن استعداده لتعميق الشراكة في المجالات التي تخدم الاستقرار المشترك.

تُعدّ الصناعة العسكرية أحد أهم روافد الاقتصاد التركي، حيث نجحت أنقرة في السنوات الأخيرة في تحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة تتجاوز ٨٠%، بالإضافة إلى تصدير معدات عسكرية بقيمة ٤ مليارات دولار سنوياً.

 أما مصر، فتمتلك قاعدة صناعية دفاعية ضخمة، تدعمها شركات مثل “هيئة التصنيع العسكري”، وتسعى إلى نقل التكنولوجيا وتحديث ترسانتها العسكرية في ظِّل تحديات أمنية متزايدة في المنطقة، من أبرزها التهديدات الإرهابية في سيناء والنزاعات في ليبيا.

وبالنسبة للطرفين، فإن هذا التعاون ليس مجرد صفقة تجارية، بل خطوة لتحقيق عدة أهداف:

الاستقلالية الاستراتيجية و تقليل الاعتماد على الموردين الخارجيين، خاصة في ظل التقلبات السياسية العالمية.

تعزيز الاقتصاد وفتح أسواق جديدة للتصدير، وخلق فرص عمل، وجذب استثمارات مشتركة.

موازنة التحالفات الإقليمية في وقت تسعى فيه دول عربية وتركيا لإعادة ترسيم تحالفاتها بعيداً عن الاستقطابات التقليدية.

رغم التفاؤل الحذر الذي يحيط بهذه الخطوة، إلا أن هناك عقبات قد تعترض طريق التعاون، أبرزها الخلافات الإقليمية المستمرة، مثل الموقف من قبرص وحقوق الغاز في المتوسط، ودور كل طرف في ليبيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن التقارب المصري التركي قد يثير حفيظة حلفاء تقليديين للقاهرة، مثل الولايات المتحدة، التي تفرض عقوبات على أنقرة بسبب صفقة صواريخ إس-٤٠٠ الروسية.

لكن يبقى الجانب الإيجابي هو أن كلاً من مصر وتركيا تدركان أن التعاون العسكري قد يكون جسراً لاحتواء الخلافات، بل وتحويلها إلى فرص ففي نهاية المطاف، تُشكل التهديدات المشتركة، مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية، حافزاً لإعادة صياغة العلاقة.

زيارة الفريق خليفة إلى تركيا ليست مجرد حدث عابر، بل مؤشر على أن تحولات جيوسياسية كبرى تُعيد تشكيل الشرق الأوسط ، ففي عالمٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصاعد المنافسة على النفوذ، قد تصبح الصناعات الدفاعية المشتركة أداةً لصناعة السلام، وليس الحرب فقط والنجاح في هذا المسار سيعتمد على مدى قدرة البلدين على فصل الملفات الخلافية عن المصالح المشتركة، وتحويل التحديات إلى ساحة للتعاون بدلاً من الصراع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock